تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٤٥
وهناك ما يستضىء به أهلها سابحا في فلك بحر قدرة الله عز وجل ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها، ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السماوات أكثر من سبع. والاقتصار على العدد المذكور الذي هو عدد تام لا يستدعي نفي الزائد فقد صرحوا بأن العدد لا مفهوم له والسماء الدنيا منتهى دائرة يتحرك فيها أعلى كوكب من السيارات وبينها وبين هذه الأرض بعد بعيد.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " خمسمائة عام " من باب التقريب للإفهام، ويقرب الأمر إذا اعتبر ذلك بالنسبة إلى الراكب المجد كما وقع في كثير من أخبار فيها تقدير مسافة، وقوله عليه الصلاة والسلام في السماء الدنيا: " موج مكفوف " يمكن أن يكون من التشبيه البليغ في اللطافة ونحوها أو هو على حقيقته والتنوين فيه للنوعية حتى يقوم الدليل العقلي الصحيح على امتناعها، وتزيين هذه السماء بالكواكب لظهورها فيها على ما يشاهد فلا يضر في ذلك كونها كلا أو بعضا فوقها أو تحتها، ولم يقم دليل على أن شيئا من الكواكب مغروز في شيء من السماوات كالفص في الخاتم والمسمار في اللوح، بل في بعض الأخبار ما يدل على خلافه، نعم أكثر الأخبار في أمر السماوات والأرض والكواكب لا يعول عليها كما أشار إليه النسفي في بحر الكلام، وكذا ما قاله قدماء أهل الهيئة ومحدثوهم، وفي كل مما ذهب الفريقان إليه ما يوافق أصولنا وما يخالفه وما شريعتنا ساكتة عنه لم تتعرض له بنفي أو إثبات، وحيث كان من أصولنا أنه متى عارض الدليل العقلي الدليل السمعي وجب تأويل الدليل السمعي للدليل العقلي لأنه أصله ولو أبطل به لزم بطلانه نفسه فالأمر سهل لأن باب التأويل أوسع من فلك الثوابت ولا أرى بأسا في ارتكاب تأويل بعض الظواهر المستبعدة بما لا يستبعد وإن لم يصل الاستبعاد إلى حد الامتناع إذا تضمن ذلك مصلحة دينية ولم يستلزم مصادمة معلوم من الدين بالضرورة، وقد يلتزم الإبقاء على الظاهر وتفويض الأمر إلى قدرة الله تعالى التي لا يتعاصاها شيء رعاية لأذهان العوام المقيدين بالظواهر الذين يعدون الخروج عنها لا سيما إلى ما يوافق الحكمة الجديدة ضلالا محضا وكفرا صرفا؛ ورحم الله تعالى امرءا جب الغيبة عن نفسه.
وقد أخرج عبد بن حميد. وابن الضريس. وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم بتكذيبكم بها، وبالجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته عز وجل لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أرضين على الوجه الذي قدمناه، ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما مما تقدم، وليس في ذلك ما يصادم ضروريا من الدين أو يخالق قطعيا من أدلة المسلمين، ولعل القول بذلك التعدد هو المتبادر من الآية، وتقتضيه الأخبار، ومع هذا هو ليس من ضروريات الدين فلا يكفر منكره أو المتردد فيه لكن لا أرى ذلك إلا عن جهل بما هو الأليق بالقدرة والأحرى بالعظمة، والله تعالى الموفق للصواب.
* (يتنزل الأمر بينهن) * أي يجري أمر الله تعالى وقضاؤه وقدره عز وجل بينهن وينفذ ملكه فيهن، وأخرج ابن المنذر. وغيره عن قتادة قال: في كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه تعالى وأمر من أمره وقضاء من قضائه عز وجل، وقيل: * (يتنزل الأمر بينهن) * بحياة وموت وغنى وفقر، وقيل: هو ما يدبره سبحانه فيهن من عجيب تدبيره جل شأنه، وقال مقاتل. وغيره: * (الأمر) * هنا الوحي، و * (بينهن) * إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة، والأكثرون على أنه القضاء والقدر كما سبق، وأن * (بينهن) * إشارة
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»