الأول في الأصح عندنا لأن حصول الإعلام به لا الأذان بين يدي المنبر، ورد بأن الأول لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعت فكيف يقال: المراد الأول في الأصح، وأما كون الثاني لا إعلام فيه فلا يضر لأن وقته معلوم تخمينا ولو أريد ما ذكر وجب بالأول السعي وحرم البيع وليس كذلك.
وفي كتاب الأحكام روي عن ابن عمر. والحسن في قوله تعالى: * (إذا نودي) * الخ قال: إذا خرج الإمام وأذن المؤذن فقد نودي للصلاة انتهى، وهو التفسير المأثور فلا عبرة بغيره كذا قال الخفاجي.
وفي كتب الحنفية خلافه ففي الكنز وشرحه: ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة) * الآية وإنما اعتبر لحصول الإعلام به، وهذا القول هو الصحيح في المذهب، وقيل: العبرة للأذان الثاني الذي يكون بين يدي المنبر لأنه لم يكن في زمنه إلا هو - وهو ضعيف - لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية ومن الاستماع بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة انتهى، ونحوه كثير لكن الاعتراض عليه قوي فتدبر * (من يوم الجمعة) * أي فيه كما في قوله تعالى: * (أروني ماذا خلقوا من الأرض) * (فاطر: 40) أي فيها، وجوز أبو البقاء أيضا كون * (من) * للتبعيض، وفي " الكشاف " هي بيان - لإذا - وتفسير له، والظاهر أنه أراد البيان المشهور فأورد عليه أن شرط * (من) * البيانية أن يصح حمل ما بعدها على المبين قبلها وهو منتف هنا لأن الكل لا يحمل على الجزء واليوم لا يصح أن يراد به هنا مطلق الوقت لأن يوم الجمعة علم لليوم المعروف لا يطلق على غيره في العرف ولا قرينة عليه هنا؛ وقيل: أراد البيان اللغوي أي لبيان أن ذلك الوقت في أي يوم من الأيام إذ فيه إبهام فيجامع كونها بمعنى في، وكونها للتبعيض وهو كما ترى.
والجمعة بضم الميم وهو الأفصح، والأكثر الشائع، وبه قرأ الجمهور. وقرأ ابن الزبير. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وزيد بن علي. والأعمش بسكونها، وروي عن أبي عمرو - وهو لغة تميم - وجاء فتحها ولم يقرأ به، ونقل بعضهم الكسر أيضا، وذكروا أن الجمعة بالضم مثل الجمعة بالإسكان. ومعناه المجموع أي يوم الفوج المجموع كقولهم: ضحكة للضحوك منه، وأما الجمعة: بالفتح فمعناه الجامع أي يوم الوقت الجامع كقولهم: ضحكة لكثير الضحك، وقال أبو البقاء: الجمعة بضمتين وبإسكان الميم مصدر بمعنى الاجتماع.
وقيل: في المسكن هو بمعنى المجتمع فيه كرجل ضحكة أي كثير الضحك منه انتهى، وقد صار يوم الجمعة علما على اليوم المعروف من أيام الأسبوع، وظاهر عبارة أكثر اللغويين أن الجمعة وحدها من غير يوم صارت علما له ولا مانع منه، وإضافة العام المطلق إلى الخاص جائزة مستحسنة فيما إذا خفي الثاني كما هنا لأن التسمية حادثة كما ستعلمه إن شاء الله تعالى فليست قبيحة كالإضافة في إنسان زيد، وكانت العرب - على ما قال غير واحد - تسمى يوم الجمعة عروبة، قيل: وهو علم جنس يستعمل بأن وبدونها؛ وقيل: أل لازمة، قال الخفاجي: والأول أصح.
وفي النهاية لابن الأثير عروبة اسم قديم للجمعة، وكأنه ليس بعربي يقال: يوم عروبة. ويوم العروبة، والأفصح أن لا يدخلها الألف واللام انتهى، وما ظنه من أنه ليس بعربي جزم به مختصر كتاب التذييل والتكميل مما استعمل من اللفظ الدخيل لجمال الدين عبد الله بن أحمد الشهير بالشيشي فقال: عروبة منكرا ومعرفا هو يوم الجمعة اسم سرياني معرب، ثم قال: قال السهيلي: ومعنى العروبة الرحمة فيما بلغنا عن بعض أهل العلم انتهى وهو غريب فليحفظ.
وأول من سماه جمعة قيل: كعب بن لؤي، وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن المنذر عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه