تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٠٢
* (فاسعو اإلى ذكر الله) * أي امشوا إليه بدون إفراط في السرعة، وجاء في الحديث مقابلة السعي بالمشي، وجعل ذلك من خصائص الجمعة، فقد أخرج الستة في كتبهم عن أبي سلمة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " والمراد بذكر الله الخطبة والصلاة، واستظهر أن المراد به الصلاة، وجوز كون المراد به الخطبة - وهو على ما قيل - مجاز من إطلاق البعض على الكل كإطلاقه على الصلاة، أو لأنها كالمحل له، وقيل: الذكر عام يشمل الخطبة المعروفة ونحو التسبيحة، واستدلوا بالآية لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه على أنه يكفي في خطبة الجمعة التي هي شرط لصحتها الذكر مطلقا ولا يشترط الطويل وأقله قدر التشهد كما اشترطه صاحباه، وبينوا ذلك بأنه تعالى ذكر الذكر من غير فصل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة أو ذكرا لا يسمى خطبة فكان الشرط هو الذكر الأعم بالقاطع غير أن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم اختيار أحد الفردين وهو الذكر المسمى بالخطبة والمواظبة عليه فكان ذلك واجبا أو سنة لا أنه الشرط الذي لا يجزىء غيره إذ لا يكون بيانا لعدم الإجمال في لفظ الذكر، والشافعية يشترطون خطبتين: ولهما أركان عندهم، واستدلوا على ذلك بالآثار، وأيا ما كان فالأمر بالسعي للوجوب.
واستدل بذلك على فرضية الجمعة حيث رتب فيها الأمر بالسعي لذكر الله تعالى على النداء للصلاة فإن أريد به الصلاة أو هي والخطبة فظاهر، وكذلك إن أريد به الخطبة لأن افتراض السعي إلى الشرط - وهو المقصود لغيره - فرع افتراض ذلك الغير، ألا ترى أن من لم تجب عليه الصلاة لا يجب عليه السعي إلى الجمعة بالإجماع؟ وكذا ثبتت فرضيتها بالسنة والإجماع، وقد صرح بعض الحنفية بأنها آكد فرضية من الظهر وبإكفار جاحدها وهي فرض عين، وقيل: كفاية وهو شاذ، وفي حديث رواه أبو داود. وقال النووي: على شرط الشيخين " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: مملوك، أو امرأة. أو صبي. أو مريض ".
وأجمعوا على اشتراط العدد فيها لهذا الخبر وغيره، وقول القاشاني: تصح بواحد لا يعتد به كما في " شرح المهذب " لكنهم اختلفوا في مقداره على أقوال: أحدها: أنه اثنان أحدهما الإمام - وهو قول النخعي. والحسن بن صالح. وداود - الثاني: ثلاثة أحدهم الإمام - وحكي عن الأوزاعي. وأبي ثور. وعن أبي يوسف. ومحمد. وحكاه الرافعي. وغيره عن قول الشافعي القديم - الثالث: أربعة أحدهم الإمام - وبه قال أبو حنيفة. والثوري. والليث. وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي. وأبي ثور واختاره، وحكاه في شرح المهذب عن محمد، وحكاه صاحب التلخيص قولا للشافعي في القديم - الرابع: سبعة - حكي عن عكرمة - الخامس: تسعة - حكي عن ربيعة - السادس: اثني عشر - في رواية عن ربيعة. وحكاه الماوردي عن محمد. والزهري. والأوزاعي - السابع: ثلاثة عشر أحدهم الإمام - حكي عن إسحاق بن راهويه - الثامن: عشرون - رواه ابن حبيب عن مالك - التاسع: ثلاثون - في رواية عن مالك - العاشر: أربعون أحدهم الإمام - وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. والإمام الشافعي في الجديد، وهو المشهور عن الإمام أحمد، وأحد القولين المرويين عن عمر بن عبد العزيز - الحادي عشر: خمسون - في الرواية الأخرى عنه - الثاني عشر: ثمانون - حكاه المازري - الثالث عشر: جمع كثير بغير قيد - وهو مذهب مالك - فقد اشتهر أنه قال: لا يشترط عدد معين بل تشترط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع، ولا تنعقد بالثلاثة. والأربعة ونحوهم.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»