تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٨
المنطقي، وأقل ما يكون تحته نوعان فخلق سبحانه من الجوهر مثلا المادي والمجرد، ومن المادي النامي والجامد، ومن النامي المدرك والنبات، ومن الدرك الصامت والناطق وهو كما ترى * (لعلكم تذكرون) * أي فعلنا ذلك كله كي تتذكروا فتعرفوا أنه عز وجل الرب القادر الذي لا يعجزه شيء فتعملوا بمقتضاه ولا تعبدوا ما سواه، وقيل: خلقنا ذلك كي تتذكروا فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات سبحانه لا يقبل التعدد والانقسام، وقيل: المراد التذكر بجميع ما ذكر لأمر الحشر والنشر لأن من قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة وله وجه، وقرأ أبي تتذكرون بتاءين وتخفيف الذال.
* (ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين) *.
* (ففروا إلى الله) * تفريع على قوله سبحانه: * (لعلكم تذكرون) * وهو تمثيل للاعتصام به سبحانه وتعالى وبتوحيده عز وجل، والمعنى قل يا محمد: * (ففروا إلى الله) * لمكان * (إني لكم منه) * أي من عقابه تعالى المعد لمن لم يفر إليه سبحانه ولم يوحده * (نذير مبين) * بين كونه منذرا من الله سبحانه بالمعجزات، أو * (مبين) * ما يجب أن يحذر عنه.
* (ولا تجعلوا مع الله إل‍اها ءاخر إنء لكم منه نذير مبين) *.
* (ولا تجعلوا مع الله إل‍اها ءاخر) * عطف على الأمر، وهو نهى عن الإشراك صريحا على نحو وحدوه ولا تشركوا، ومن الأذكار المؤثورة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وكرر قوله تعالى:
* (إني لكم منه نذير مبين) * لاتصال الأول بالأمر واتصال هذا بالنهي والغرض من كل ذلك الحث على التوحيد والمبالغة في النصيحة، وقيل: إن المراد بقوله تعالى: * (ففروا إلى الله) * (الذاريات: 50) الأمر بالإيمان وملازمة الطاعة، وذكر * (ولا تجعلوا) * الخ، إفرادا لأعظم ما يجب أن يفر منه، و * (إني لكم) * الخ، الأول مرتب على ترك الإيمان والطاعة، والثاني على الإشراك فهما متغايران لتغاير ما ترتب كل منهما عليه ووقع تعليلا له ولا يخلو عن كدر، وقال الزمخشري: في الآية: * (فروا إلى) * طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ووحدوا ولا تشركوا به، وكرر * (إني لكم) * الخ عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله تعالى إلا الجامع بينهما انتهى، وفيه أنه لا دلالة في الآية على ذلك بوجه ثم تفسير الفرار إلى الله بما فسره أيضا لينطبق على العمل وحده غير مسلم على أنه لو سلم الإنذار بترك العمل فمن أين يلزم عدم النفع، وأهل السنة لا ينازعون في وقوع الإنذار بارتكاب المعصية، فالمنساق إلى الذهن على تقدير كون المراد بالفرار إلى الله تعالى العبادة أنه تعالى أمر بها أولا وتوعد تاركها بالوعيد المعروف له في الشرع وهو العذاب دون خلود، ونهى جل شأنه ثانيا أن يشرك بعبادته سبحانه غيره وتوعد المشرك بالوعيد المعروف له وهو الخلود، وعلى هذا يكون الوعيد أن متغايرين وتكون الآية في تقديم الأمر على النهي فيها نظير قوله تعالى: * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * (الكهف: 110)، وقوله سبحانه: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * (النساء: 36) وأين هذا مما ذكره الزمخشري عامله الله تعالى بعدله.
* (كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا س‍احر أو مجنون) *.
* (كذالك) * أي الأمر مثل ذلك تقرير وتوكيد على ما مر غير مرة، ومن فصل الخطاب لأنه لما أراد سبحانه أن يستأنف قصة قولهم المختلف في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تقدمت عموما أو خصوصا في قوله تعالى: * (إنكم لفي قول مختلف) * (الذاريات: 8) وكان قد توسط ما توسط قال سبحانه: الأمر كذلك أي مثل ما يذكر ويأتيك
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»