تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٢٩
ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك "؛ وأما البحر: فليونس عليه السلام قال فيه: * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الضالمين) * فلشرفها بذلك أقسم الله تعالى بها، وأما ذكر * (الكتاب) * فلأن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن كلام والكلام في الكتاب، وأما ذكر السقف المرفوع فلبيان رفعة البيت المعمور ليعلم عظمة شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر وجها آخر، ولعمري إنه لم يأت بشيء فيهما، والواو الأولى للقسم وما بعدها على ما قال أبو حيان للعطف، والجملة المقسم عليها قوله تعالى:
* (إن عذاب ربك لواقع) *.
* (إن عذاب ربك لواقع) * أي لكائن على شدة كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من يحل به من الكفار؛ وفي إضافته إلى الرب مع إضافة الرب إلى ضميره عليه الصلاة والسلام أمان له صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أن العذاب واقع بمن كذبه، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما - واقع - بدون لام، وقوله تعالى:
* (ما له من دافع) *.
* (ما له من دافع) * خبر ثان - لان - أو صفة * (لواقع) * أو هو جملة معترضة، و * (من دافع) * إما مبتدأ للظرف أو مرتفع به على الفاعلية، و * (من) * مزيدة للتأكيد ولا يخفى ما في الكلام من تأكيد الحكمة وتقريره؛ وقد روى أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ من أول السورة إلى هنا فبكى ثم بكى حتى عيد من وجعه وكان عشرين يوما، وأخرج أحمد. وسعيد بن منصور. وابن سعد عن جبير بن مطعم قال: قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أساري بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب فسمعته يقرأ * (والطور) * إلى * (إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع) * (الطور: 1 - 8) فكأنما صدع قلبي، وفي رواية فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب، وهو لا يأبى أن يكون المراد الوقوع يوم القيامة ومن غريب ما يحكى أن شخصا رأى مكتوبا في كفه خمس واوات فعبرت له بخير فسأل ابن سيرين فقال: تهيأ لما لايسر فقال له: من أين أخذت هذا؟ فقال: من قوله عز وجل: * (والطور) * إلى * (إن عذاب ربك لواقع) * (الطور: 1 - 7) فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص، وقوله سبحانه:
* (يوم تمور السمآء مورا) *.
* (يوم تمور السماء مورا) * منصوب على الظرفية وناصبه * (واقع) * أو * (دافع) * أو معنى النفي وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءا على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم، ومنع مكي أن يعمل فيه * (واقع) * ولم يذكر دليل المنع ولا دليل له فيما يظهر، ومعنى * (تمور) * تضطرب كما قال ابن عباس أن ترتج وهي في مكانها، وفي رواية عنه تشقق، وقال مجاهد: تدور، وأصل المور التردد في المجيء والذهاب، وقيل: التحرك في تموج، وقيل: الجريان السريع، ويقال للجري مطلقا وأنشدوا للأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها * (مور السحابة لا ريث ولا عجل) * (وتسير الجبال سيرا) *.
* (وتسير الجبال سيرا) * عن وجه الأرض فتكون هباءا منبثا، والإتيان بالمصدرين للإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة أي مورا عجيبا وسيرا بديعا لا يدرك كنههما.
* (فويل يومئذ للمكذبين) *.
* (فويل يومئذ) * أي إذا وقع ذلك أو إذا كان الأمر كما ذكر فويل يوم إذ يقع ذلك * (للمكذبين) *.
* (الذين هم فى خوض يلعبون) *.
* (الذين هم في خوض يلعبون) * أي في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يلهون، وأصل الخوف المشي في الماء ثم تجوز فيه عن الشروع
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»