تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٢١
الإرادة الالهية للمراد كما بين في الأصول مع أن التخلف محقق بالمشاهدة، وأيضا ظاهر قوله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس) * (الأعراف: 179) يدل على إرادة المعاصي من الكثير ليستحقوا بها جهنم فينافي إرادة العبادة لكن لما كان خلقهم على حالة صالحة للعبادة مستعدة لها حيث ركب سبحانه فيهم عقولا وجعل لهم حواس ظاهرة وباطنة إلى غير ذلك من وجوه الاستعداد جعل خلقهم مغيا بها مبالغة بتشبيه المعد له الشيء بالغاية ومثله شائع في العرف، ألا تراهم يقولون للقوى جسمه: هو مخلوق للمصارعة، وللبقر: هي مخلوقة للحرث.
وفي الكشف أن أفعاله تعالى تنساق إلى الغايات الكمالية واللام فيها موضوعها ذلك، وأما الإرادة فليست من مقتضى اللام إلا إذا علم أن الباعث مطلوب في نفسه وعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل فانهم خلقوا بحيث يتأتى منهم العبادة وهدوا إليها وجعلت تلك غاية كمالية لخلقهم، وتعوق بعضهم عن الوصول إليها لا يمنع كون الغاية غاية، وهذا معنى مكشوف انتهى. فتأمل، وقيل: المراد بالعبادة التذلل والخضوع بالتسخير، وظاهر أن الكل عابدون إياه تعالى بذلك المعنى لا فرق بين مؤمن، وكافر، وبر، وفاجر، ونحوه ما قيل: المعنى ما خلقت الجن والإنس إلا ليذلوا لقضائي، وقيل: المعنى ما خلقتهم إلا ليكونوا عبادا لي، ويراد بالعبد العبد بالايجاد وعموم الوصف عليه ظاهر لقوله تعالى: * (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * (مريم: 93) لكن قيل عليه: إن عبد بمعنى صار عبدا ليس من اللغة في شيء، وقيل: العبادة بمعنى التوحيد بناءا على ما روي عن ابن عباس أن كل عبادة في القرآن فهو توحيد فالكل يوحدونه تعالى في الآخرة أما توحيد المؤمن في الدنيا هناك فظاهر، وأما توحيد المشرك فيدل عليه قوله تعالى: * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) وعليه قول من قال: لا يدخل النار كافر، أو المراد كما قال الكلبي: إن المؤمن يوحده في الشدة والرخاء والكافر يوحده سبحانه في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، كما قال عز وجل: * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) * (العنكبوت: 65) ولا يخفى بعد ذلك عن الظاهر والسياق، ونقل عن على كرم الله تعالى وجهه، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما خلقتهم إلا لآمرهم وأدعوهم للعبادة فهو كقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) * (البينة: 5) فذكر العبادة المسببة شرعا عن الأمر أو اللازمة له، وأريد سببها أو ملزومها فهو مجاز مرسل، وأنت تعلم أن أمر كل من أفراد الجن وكل من أفراد الإنس غير متحقق لا سيما إذا كان غير المكلفين كالأطفال الذين يموتون قبل زمان التكليف داخلين في العموم، وقال مجاهد: إن معنى * (ليعبدون) * ليعرفون وهو مجاز مرسل أيضا من إطلاق اسم السبب على المسبب على ما في الإرشاد، ولعل السر فيه التنبية على أن المعتبر هي المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى لا ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة قيل: وهو حسن لأنهم لو لم يخلقهم عز وجل لم يعرف وجوده وتوحيده سبحانه وتعالى، وقد جاء " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف " وتعقب بأن المعرفة الصحيحة لم تتحقق في كل بل بعض قد أنكر وجوده عز وجل كالطبيعيين اليوم فلا بد من القول السابق في توجيه التعليل ثم الخبر بهذا اللفظ ذكره سعد الدين سعيد الفرغاني في منتهى المدارك، وذكر غيره كالشيخ الأكبر في الباب المائة والثمانية والتسعين من الفتوحات بلفظ آخر وتعقبه الحفاظ فقال ابن تيمة: إنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف، وكذا قال الزركشي. والحافظ ابن حجر. وغيرهما: ومن
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»