حواجه من حفظ المال وإحضار الطعام من ماله بين يديه، فنفي الإرادة الأولى لا يستلزم نفي الإرادة الثانية فكرر النهي على معنى لا أريد هذا ولا أريد ذلك، الثانية أن ترتيب النفيين كما تضمنه النظم الجليل من باب الترقي في بيان غناه عز وجل كأنه قال سبحانه: لا أطلب منهم رزقا ولا ما هو دون ذلك وهو تقديم الطعام بين يدي السيد فإن ذلك أمر كثيرا ما يطلب من العبيد إن كان التكسب لا يطلب منهم، الثالثة أنه سبحانه قال: ما أريد منهم من رزق دون ما أريد منهم أن يرزقون لأن التكسب لطلب العين لا الفعل، وقال سبحانه: * (ما أريد أن يطعمون) * دون ما أريد من طعام لأن ذلك للإشارة إلى الاستغناء عما يفعله العبد الغير المأمور بالتكسب كعبد وافر المال والحاجة إليه للفعل نفسه، الرابعة، أنه جل وعلا خص الاطعام بالذكر لأن أدنى درجات الاستعانة أن يستعين السيد بعبده في تهيئة أمر الطعام ونفي الأدني يتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى فكأنه قيل: ما أريد منهم من عين ولا عمل، الخامسة أن * (ما) * لنفي الحال إلا أن المراد به الدنيا وتعرض له دون نفي الاستقبال لأن من المعلوم البين أن العبد بعد موته لا يصلح أن يطلب منه رزق أو إطعام انتهى، فتأمله.
ويفهم من ظاهر كلام الزمخشري أن المعنى ما أريد منهم من رزق لي ولهم، وفي البحر ما أريد منهم من رزق أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم * (وما أريد أن يطعمون) * أي أن يطعموا خلقي فهو على حذف مضاف قاله ابن عباس انتهى، ونحوه ما قيل: المعنى ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أريد أن يطعموه، وأسند الإطعام إلى نفسه سبحانه لأن الخلق كلهم عيال الله تعالى. ومن أطعم عيال أحد فكأنما أطعمه، وفي الحديث " يا عبدي مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني " فإنه كما يدل عليه آخره على معنى مرض عبدي فلم تعده وجاع فلم تطعمه؛ وقيل: الآية مقدرة بقل فتكون بمعنى قوله سبحانه: * (قل لا أسألكم عليه أجرا) * والغيبة فيها رعاية للحكاية إذ في مثل ذلك يجوز الأمر أن الغيبة والخطاب، وقد قرىء بهما في قوله تعالى: * (قل للذين كفروا ستغلبون) *، وقيل: المراد قل لهم وفي حقهم فتلائمه الغيبة في * (منهم) * و * (يطعمون) * ولا ينافي ذلك قراءة - أني أنا الرزاق - فيما بعد لأنه حينئذ تعليل للأمر بالقول، أو الائتمار لا لعدم الإرادة، نعم لا شك في أنه قول بعيد جدا.
* (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) *.
* (إن الله هو الرزاق) * الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق لا غيره سبحانه استقلالا، أو اشتراكا ويفهم من ذلك استغناؤه عز وجل عن الرزق * (ذو القوة أي القدرة * (المتين) * شديد القوة، والجملة تعليل لعدم الإرادة قال الإمام: كونه تعالى هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق لأن من يطلبه يكون فقيرا محتاجا؛ وكونه عز وجل هو ذو القوة المتين ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله سبحانه: * (وما أريد أن يطعمون) * لأن من يطلبه يكون عاجزا لا قوة له فكأنه قيل: ما أريد منهم من رزق لأني أنا الرزاق وما أريد منهم من عمل لأني قوي متين، وكان الظاهر - أني أنا الرزاق - كما جاء في قراءة له صلى الله عليه وسلم لكن التفت إلى الغيبة، والتعبير بالاسم الجليل لاشتهاره بمعنى المعبودية فيكون في ذلك إشعار بعلة الحكم ولتخرج الآية مخرج المثل كما قيل ذلك في قوله تعالى: * (إن الباطل كان زهوقا) * (الإسراء: 81) والتعبير به على القول بتقدير قل فيما تقدم هو الظاهر، وتحتاج القراءة الأخرى إلى ما ذكرناه آنفا، وآثر سبحانه ذو القوة على القوى قيل: لأن في * (ذو) * كما قال ابن حجر الهيثمي وغيره تعظيم ما أضيفت إليه، والموضوف بها والمقام يقتضيه ولذا جيء