تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٣١
عند الله عز وجل تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم، وقيه بعد.
* (وبست الجبال بسا) *.
أي فتت كما قال ابن عباس. ومجاهد حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته، وقيل؛ سيقت وسيرت من أماكنها من بس الغنم إذا ساقها فهو كقوله تعالى: * (وسيرت الجبال) * (النبأ: 20).
وقرأ زيد بن علي * (رجت، وبست) * بالبناء للفاعل أي ارتجت وتفتتت، وفي كلام هند بنت الخس تصف ناقة بما يستدل به على حملها - عينها هاج وصلاها راج، وهي تمشي وتفاج -.
* (فكانت هبآء منبثا) *.
* (فكانت) * فصارت بسبب ذلك * (هباء) * غبارا * (منبثا) * متفرقا، والمراد مطلق الغبار عند الأكثرين، وقال ابن عباس: هو ما يثور مع شاع الشمس إذا دخلت من كوة، وفي رواية أخرى عنه أنه الذي يطير من النار إذا اضطرمت.
وقرأ النخعي - منبتا - بالتاء المنطوقة بنقطتين من فوق من البت بمعنى القطع، والمراد به ما ذكر من البث بالمثلثة.
* (وكنتم أزواجا ثل‍اثة) *.
* (وكنتم) * خطاب للأمة الحاضرة والأمم السالفة تغليبا كما ذهب إليه الكثير، وقال بعضهم: خطاب للأمة الحاضرة فقط، والظاهر إن - كان - أيضا بمعنى صار أي وصرتم * (أزواجا) * أي أصنافا * (ثل‍اثة) * وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود أو في الذكر فهو زوج، قال الراغب: الزوج يكون لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ولكل قرينين فيها، وفي غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا وقوله تعالى:
* (فأصح‍ابالميمنة مآ أصح‍ابالميمنة * وأصح‍ابالمش‍امة مآ أصح‍ابالمش‍امة) *.
* (فأصح‍ابالميمنة ما أصح‍ابالميمنة * وأصح‍ابالمشئمة ما أصح‍ابالمشئمة) * تفصيل للأزواج الثلاثة مع الإشارة الاجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها، والدائر على ألسنتهم أن أصحاب الميمنة مبتدأ، وقوله تعالى: * (ما أصحاب الميمنة) * * (ما) * فيه استفهامية مبتدأ ثان. و * (أصحاب) * خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الظاهر القائم مقام الضمير، وكذا يقال في قوله تعالى: * (وأصحاب المشأمة) * الخ، والأصل في الموضعين ما هم؟ أي أي شيء هم في حالهم وصفتهم فان * (ما) * وإن شاعت في طلب مفهوم الاسم والحقيقة لكنها قد تطلب بها الصفة والحال كما تقول ما زيد؟ فيقال: عالم، أو طبيب فوضع الظاهر موضع الضمير لكونه أدخل في المقصود وهو التفخيم في الأول والتفظيع في الثاني، والمراد تعجيب السامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل: * (فأصحاب الميمنة) * في غاية حسن الحال * (وأصحاب المشأمة) * في نهاية سوء الحال، وقيل: جملة * (ما أصحاب) * خبر بتقدير القول على ما عرف في الجملة الإنشائية إذا وقعت خبرا أي مقول في حقهم * (ما أصحاب) * الخ فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير وفيه نظر، و * (الميمنة) * ناحية اليمين، أو اليمن والبركة، * (والمشأمة) * ناحية الشمال من اليد الشؤمى وهي الشمال، أو هي من الشؤم مقابل اليمن، ورجح إرادة الناحية فيهما بأنها أوفق بما يأتي في التفصيل، واختلفوا في الفريقين فقيل: أصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية، وأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية أخذا من تيمنهم بالميامن وتشؤمهم بالشمائل كما تسمع في السانح والبارح، وهو مجاز شائع، وجوز أن يكون كناية، وقيل: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم، وقيل: الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة والذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، وقيل: أصحاب اليمن وأصحاب الشؤم، فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم على أنفسهم
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»