تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٢٨
والأرض) * الخ، واستدل الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره بقوله سبحانه: * (كل يوم هو في شأن) * (الرحمان: 29) على شرف التلون، وكذا استدل به على عدم بقاء الجوهر آنين، وعلى هذا الطرز ما قيل في الآيات بعد، وذكر بعض أهل العلم أن قوله تعالى: * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * (الرحمان: 13) قد ذكر إحدى وثلاثين مرة، ثمانية منها عقيب تعداد عجائب خلقه تعالى. وذكر المبدأ والمعاد، وسبعة عقيب ذكر ما يشعر بالنار وأهوالها على عدد أبواب جهنم، وثمانية في وصف الجنتين الأوليين ومثلها في وصف الجنتين اللتين دونهما على عدد أبواب الجنة فكأنه أشير بذلك إلى أن من اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الجنتين من الله تعالى ووقاه جهنم ذات الأبواب السبعة؛ والله تعالى أعلم بإشارات كتابه وحقائق خطابه ودقائق كلامه التي لا تحيط بها الأفهام وتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام.
سورة الواقعة مكية كما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس. وابن مردويه عن ابن الزبير، واستثنى بعضهم قوله تعالى: * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * (الواقعة: 39، 40) كما حكاه في الاتقان وكذا استثنى قوله سبحانه: * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * إلى * (تكذبون) * (الواقعة: 75 - 82) لما أخرجه مسلم في سبب نزوله وسيأتي إن شاء الله تعالى، وفي " مجمع البيان " حكاية استثناء قوله تعالى: * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * (الواقعة: 82) عن ابن عباس. وقتادة وعدد آيها تسع وتسعون في الحجازي والشامي، وسبع وتسعون في البصري، وست وتسعون في الكوفي، وتفصيل ذلك فيما أعد لمثله، وهي وسورة الرحمن متواخية في أن في كل منهما وصف القيامة والجنة والنار، وقال في " البحر ": مناسبتها لما قبلها أنه تضمن العذاب للمجرمين والنعيم للمؤمنين، وفاضل سبحانه بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض آخر منهم فانقسم المكلفون بذلك إلى كافر ومؤمن فاضل ومؤمن مفضول؛ وعلى هذا جاء ابتداء هذه السورة من كونهم أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين، وقال بعض الأجلة انظر إلى اتصال قوله تعالى: * (إذا وقعت الواقعة) * (الواقعة: 1) بقوله سبحانه: * (فإذا انشقت السماء) * (الرحمان: 37) وأنه اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء، وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة فذكر في كل شيء، وقد عكس الترتيب فذكر في أول هذه ما في آخر تلك وفي آخر هذه ما في أول تلك فافتتح في سورة الرحمن بذكر القرآن، ثم ذكر الشمس والقمر، ثم ذكر النبات، ثم خلق الإنسان والجان، ثم صفة يوم القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة، وهذه ابتداؤها بذكر القيامة، ثم صفة الجنة، ثم صفة النار؛ ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم ذكرت النجوم ولم تذكر في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم ذكر الميزان فكانت هذه كالمقابلة لتلك وكالمتضمنة لرد العجز على الصدر، وجاء في فضلها آثار.
أخرج أبو عبيد في فضائله. وابن الضريس. والحرث بن أبي أسامة. وأبو يعلى. وابن مردويه. والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ". وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس نحوه مرفوعا، وأخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سورة الواقعة سورة الغنى فاقرءوها وعلموها أولادكم ".
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»