تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٣٤
بكونهم فيها بعد الإخبار بكونهم مقربين ليس فيه مزيد مزية، وأجيب بأن الإخبار الأول للإشارة إلى اللذة الروحانية والإخبار الثاني للإشارة إلى اللذة الجسمانية.
وقرأ طلحة في جنة النعيم بالافراد، وقوله تعالى:
* (ثلة من الاولين) *.
* (ثلة من الأولين) * خبر مبتدأ مقدر أي هم ثلة الخ، وجوز كونه مبتدأ خبره محذوف أي منهم، أو خبرا أولا أو ثانيا - لأولئك - وجوز أبو البقاء كونه مبتدأ والخبر * (على سرر) *، والثلة في المشهور الجماعة كثرت أو قلت، وقال الزمخشري: الأمة من الناس الكثيرة وأنشد قوله: وجاءت إليهم (ثلة) خندفية * (بجيش كتيار من السيل مزبد وقوله تعالى بعد: * (وقليل) * الخ كفى به دليلا على الكثرة انتهى، والظاهر أنه أنشد البيت شاهدا لمعنى الكثرة في الثلة فإن كانت الباء تجريدية وهو الظاهر فنص وإلا فالاستدلال عليها من أن المقام مقام مبالغة ومدح، وأما استدلاله بما بعد فذلك لأن التقابل مطلوب لأن الثلة لم توضع للقليل بالإجماع حتى يحمل ما بعد على التفنن بل هي إما للكثرة والاشتقاق عليهاأدل لأن الثل بمعنى الصب وبمعنى الهدم بالكلية، والثلة بالكسر الضأن الكثيرة وإما لمطلق الجماعة كالفرقة والقطعة من الثل بمعنى الكسر كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم إلا أن الاستعمال غلب على الكثير فيها فالمعنى جماعة كثيرة من الأولين وهم الناس المتقدمون من لدن آدم إلى نبينا عليهما الصلاة والسلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام.
* (وقليل من الاخرين) *.
* (وقليل من الآخرين) * وهم الناس من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ولا يخالفه قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أمتي يكثرون سائر الأمم " أي يغلبونهم في الكثرة لأن أكثرية سابقي المتقدمين من سابقي هذه الأمة لا تمنع أكثرية تابعي هؤلاء من تابعي أولئك.
وحاصل ذكل غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك، لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى: * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون، وقد عبر كل بالثلة أي الجماعة الكثيرة لأنا نقول لأدلة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا. وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم، والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء وحينئذ لا يبعد أن يقال: إن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم فما على سابقي هذه الأمة بأس إذ أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام، وأخرج الإمام أحمد. وابن المنذ. ر وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن أبي هريرة قال: " لما نزلت * (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) * شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة - أو شطر أهل الجنة - وتقاسمونهم النصف الثاني " وظاهره أنه شق عليهم قلة من وصف بها وأن الآية الثانية أزالت ذلك ورفعته وأبدلته بالكثرة، ويدل على ذلك ما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت * (ثلة من الأولين وقلل من الآخرين) * حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»