تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٣٠
بلسان الحال لن تكوني، وهذا كما تقول لمخاطبك ليس لنا ملك ولمعروفك كاذب أي لا يكذبك أحد فيقول: إنه غير واقع، وفيه استعارة تمثيلية لأن الساعة لا تصلح مخاطبا إلا على ذلك إما على سبيل التخييل من باب لو قيل: للشحم أين تذهب، وهو الأظهر وإما على التحقيق، وجوز كون * (كاذبة) * من قولهم كذبت نفسه وكذبته إذا منته الأماني وقربت له الأمور البعيدة وشجعته على مباشرة الخطب العظيم، واللام قيل: على حقيقتها أيضا أي ليس لها إذا وقعت نفس تحدث صاحبها باطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها.
وفي " الكشف " إن اللام على هذا الوجه للتوقيت كما على الوجه الأول، وجوز أيضا كون * (كاذبة) * مصدرا بمعنى التكذيب وهو التثبيط وأمر اللام ظاهر أي ليس لوقعتها ارتداد ورجعة كالحملة الصادقة من ذي سطوة قاهرة؛ وروى نحوه عن الحسن. وقتادة، وذكر أن حقيقة التكذيب بهذا المعنى راجعة إلى تكذيب النفس إلى كذبها وإغرائها وتشجيعها وأنشد على ذلك لزهير: ليث بعثر يصطاد الرجال إذا * ما الليث (كذب عن أقرانه) صدقا ويجوز جعل الكاذبة بمعنى الكذب على معنى ليس للوقعة كذب بل هي وقعة صادقة لا تطاق على نحو - حملة صادقة، وحملة لها صادق - أو على معنى ليس هي في وقت وقوعها كذب لأنه حق لا شبهة فيه، ولعل ما ذكر أظهر مما تقدم وإن روى نحوه عمن سمعت. نعم قيل: عليهما إن مجيء المصدر على زنة الفاعل نادر، وقوله عز وجل:
* (خافضة رافعة) *.
* (خافضة رافعة) * خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين كما قال ابن عباس، وأخرجه عنه جماعة، والجملة تقرير لعظمتها وتهويل لأمرها فإن الوقائع العظام شأنها الخفض والرفع كما يشاهد في تبدل الدول وظهور الفتن من ذل الأعزة وعز الأذلة، وتقديم الخفض على الرفع لتشديد التهويل، أو بيان لما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات ورفع السعداء إلى درجات الجنات، وعلى هذا قول عمر رضي الله تعالى عنه: خفضت أعداء الله تعالى إلى النار ورفعت أولياءه إلى الجنة، أو بيان لما يكون من ذلك ومن إزالة الأجرام عن مقارها ونثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو كالسحاب، والضحاك بعد أن فسر الواقعة بالصيحة قال: خافضة تخفض قوتها لتسمع الأدنى * (رافعة) * ترفعها لتسمع الأقصى، وروى ذلك أيضا عن ابن عباس. وعكرمة، وقدر أبو علي المبتدأ مقرونا بالفاء أي فهي * (خافضة) * وجعل الجملة جواب إذا فكأنه قيل: * (إذا وقعت الواقعة) * خفضت قوما ورفعت آخرين، وقرأ زيد بن علي. والحسن. وعيسى. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وابن مقسم. والزعفراني. واليزيدي في اختياره * (خافضة رافعة) * بنصبهما، ووجه أن يجعلا حالين عن الواقعة على أن * (ليس لوقعتها كاذبة) * اعتراض أو حالين عن وقعتها، وقوله سبحانه:
* (إذا رجت الارض رجا) *.
* (إذا رجت الأرض رجا) * أي زلزلت وحركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل متعلق - بخافضة - أو - برافعة - على أنه من باب الأعمال، أو بدل من * (إذا وقعت) * كما قال به غير واحد، وقال ابن جني. وأبو الفضل الرازي: * (إذا رجت) * في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو * (إذا وقعت) * وليست واحدة منهما شرطية بل هي بمعنى وقت أي وقت وقوعها وقت رج الأرض، وادعى ابن مالك أن * (إذا) * تكون مبتدأ، واستدل بهذه الآية، وقال أبو حيان: هو بدل من * (إذا وقعت) * وجواب الشرط عندي ملفوظ به وهو قوله تعالى: * (فأصحاب الميمنة) * (الواقعة: 8) والمعنى إذا كان كذا وكذا، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به أي إن سعادتهم وعظم رتبهم
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»