و * (المقربون) * من القربة بمعنى الحضوة أي أولئك الموصوفون بذلك النعت الجليل الذين أنيلوا حظوة ومكانة عند الله تعالى، وقال غير واحد: المراد الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم.
هذا وفي الأرشاد الذي تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى: * (فأصحاب الميمنة) * (الواقعة: 8) خبر مبتدأ محذوف وكذا قوله سبحانه: * (وأصحاب المشأمة) * وقوله جل شأنه: * (والسابقون) * فإن المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام.
وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة، والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كلا منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عنت ترامي أحوالهما في الخير والشر إنباءا إجماليا مشعرا بأن لأحوال كل منهما تفصيلا مترقبا لكن لا على أن * (ما) * الاستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على مارآه سيبويه في أمثال بل على أنها خبر لما بعدها فإن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون * (ما) * خبرا لا بيان أن أمرا بديعا أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال في * (ما أصحاب المشأمة) * (الواقعة: 9) وأما القسم الأخير فحيث قرن به بيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذج فقوله تعالى: * (السابقون) * مبتدأ والإظهار في مقام الإضمار للتفخيم و * (أولئك) * مبتدأ ثان، أو بدل من الأول وما بعده خبر له، أو للثاني، والجملة خبر للأول انتهى، وقيل عليه: أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام وقوله سبحانه: * (السابقون) * إخبارا لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلا حتى يقال: حقها أن تبين بعد أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام مع إشارة إلى ترامي أحوالها في الخير والشر والتعجيب من ذلك.
وأيضا مقتضى ما ذكره أن لا يذكر * (ما أصحاب اليمين) * و * (ما أصحاب الشمال) * (الواقعة: 41) في التفصيل، وتعقب هذا بأن الذكر محتاج إلى بيان نكتة على الوجه الدائر على ألسنتهم كاحتياجه إليه على هذا الوجه، ولعلها عليه أنه لما عقب الأولين بما يشعر بأن لأحوال كل تفاصيل مترقبة أعيد ذلك للاعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع، والذي يتبادر للنظر الجليل ما في الإرشاد من كون أصحاب الميمنة وكذا كل من الأخيرين خبر مبتدأ محذوف كما سمعت لأن المتبادر بعد بيان الانقسام ذكر نفس الأقسام على أن تكون هي المقصودة أولا وبالذات دون الحكم عليها وبيان أحوالها مطلقا وإن تضمن ذلك ذكرها لكن ما ذكروه أبعد مغزى ومع هذا لا يتعين على ما ذكر كون تينك الجملتين الاستفهاميتين معترضتين بل يجوز أن يكون كل منهما صفة لما قبلها بتقدير القول كأنه قيل: فأحدها أصحاب الميمنة المقول فيهم * (ما أصحاب الميمنة) * وكذا يقال في * (وأصحاب المشأمة) * الخ، ويجعل أيضا * (السابقون) * صفة - للسابقون - قبله، والتأويل في الوصفية كالتأويل في الخبرية ويكون الوصف بذلك قائما مقام تينك الجملتين في المدح، والجملة بعد مستأنفة استئنافا بيانيا كما في الوجه الشائع، وما يقال: إن في هذا الوجه حذف الموصول مع بعض أجزاء الصلة يجاب عنه بمنع كون - أل - في الوصف حيث لم يرد منه الحدوث موصولة فتأمل ولا تغفل، وقوله تعالى:
* (فى جنات النعيم) *.
* (في جنات النعيم) * متعلق بالمقربون، أو بمضمر هو حال من ضميره أي كائنين في جنات النعيم، وعلى الوجهين فيه إشارة إلى أن قربهم محض لذة وراحة لا كقرب خواص الملك القائمين بأشغاله عنده بل كقرب جلسائه وندمائه الذين لا شغل لهم ولا يرد عليهم أمر، أو نهي ولذا قيل: * (في جنات النعيم) * دون جنات الخلود ونحوه، وقيل: خبر ثان لاسم الإشارة وتعقب بأن الاخبار