والتعبير بالدرجات كما قال غير واحد على وجه التغليب لاشتمال * (كل) * على الفريقين أي لكل منازل ومراتب سواء كانت درجات أو دركات، وإنما غلب أصحاب الدرجات لأنهم الأحقاء به لا سيما، وقد ذكر جزاؤهم مرارا وجزاء المقابل مرة * (وليوفيهم أعمالهم) * أي جزاء أعمالهم والفاعل ضميره تعالى. وقرأ الأعمش. والأعرج. وشيبة. وأبو جعفر. والأخوان. وابن ذكوان. ونافع بخلاف عنه * (لنوفيهم) * بنون العظمة، وقرأ السلمي بتاء فوقية على الإسناد للدرجات مجازا * (وهم لا يظلمون) * بنقص ثواب وزيادة عقاب، وقد مر الكلام في مثله غير مرة، والجملة حال مؤكدة للتوفية أو استئناف مقرر لها، واللام متعلقة بمحذوف مؤخر كأنه قيل: وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم فعل ما فعل من تقدير إلا جزية على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) *.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * أي يعذبون بها من قولهم: عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به وهو مجاز شائع، وذهب غير واحد إلى أنه من باب القلب المعنوي والمعنى يوم تعرض النار على الذين كفروا نحو عرضت الناقة على الحوض فإن معناه أيضا كما قالوا: عرضت الحوض على الناقة لأن المعروض عليه يجب أن يكون له إدراك ليميل به إلى المعروض أو يرغب عنه لكن لما كان المناسب هو أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه ويحرك نحو وههنا الأمر بالعكس لأن الحوض لم يؤت به وكذا النار قلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار، وفي الانتصاف أن كل قولهم: عرضت الناقة على الحوض مقلوبا فليس قوله تعالى: * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * (الأحقاف: 20) كذلك لأن الملجىء ثم إلى اعتقاد القلب أن الحوض جماد لا إدراك له والناقة هي المدركة فهي التي يعرض عليها الحوض حقيقة، وأما النار فقد وردت النصوص بأنها حينئذ مدركة إدراك الحيوانات بل إدراك أولي العلم فالأمر في الآية على ظاهره كقولك: عرضت الأسرى على الأمير، وربما يقال: لا مانع من تنزيلها منزلة المدرك إن لم تكن حينئذ مدركة وكذا تنزيل الحوض منزلته حتى كأنه يستعرض الناقة كما قال أبو العلاء المعري: إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت * عن الماء فاشتاقت إليها المناهل وبعد ذلك قد لا يحتاج إلى اعتبار القلب، وقال أبو حيان: لا ينبغي حمل القرآن على القرآن إذ الصحيح فيه أنه مما يضطر إليه في الشعر، وإذا كان المعنى صحيحا واضحا بدونه فأي ضرورة تدعو إليه؟ والمثال المذكور لا قلب فيه أيضا، فإن عرض الناقة على الحوض وعرض الحوض على الناقة كل منهما صحيح إذ العرض أمر نسبي يصح إسناده لكل واحد من الناقة والحوض. وابن السكيت في كتاب التوسعة ذهب إلى أن عرضت الحوض على الناقة مقلوب والأصل إنما هو عرضت الناقة على الحوض وهو مخالف للمشهور. وأنت تعلم مما ذكرنا أولا أن سبب اعتبارهم القلب في المثال كون المناسب في العرض أن يؤتي بالمعروض عند المعروض عليه وأن الأمر في عرضت الحوض على الناقة بالعكس، وتفصيل الكلام في ذلك على وجه يعرف منه منشأ الخلاف أن العرض مطلقا لا يقتضي ذلك وإنما المقتضى له المعنى المقصود من العرض في المثال وهو الميل إلى المعروض، ومن لم ينظر إلى هذا المعنى ونظر إلى أن المعروض يتحرك إلى المعروض عليه قال إنه الأصل، ومن لم ينظر إلى الاعتبارين وقال العرض إظهار شيء لشيء قال إن كلا من القولين على الأصل، وهو كما قال العلامة السالكوتي الحق لأن كلا