تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٣٣
مكلفون، ولم ينص ههنا على ثوابهم إذا أطاعوا وعمومات الآيات تدل على الثواب، وعن ابن عباس لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها، ولعل الاقتصار هنا على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب والمقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب، وقيل: لا ثواب لمطيعيهم إلا النجاة من النار فيقال لهم: كونوا ترابا فيكونون ترابا، وهذا مذهب ليث بن أبي سليم. وجماعة ونسب إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وقال النسفي في " التيسير ": توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب، وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل.
وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض وليسوا فيها، وقيل: يدخلون الجنة ويلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذة ذلك ما يصيبه بنو آدم من لذائذهم، قال النووي في شرح " صحيح مسلم ": والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما، وهذا مذهب الحسن البصري. ومالك بن أنس. والضحاك. وابن أبي ليلى. وغيرهم.
* (ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الارض وليس له من دونه أوليآء أول‍ائك فى ضل‍ال مبين) *.
* (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) * ايجاب للإجابة بطريق الترهيب أثر إيجابها بطريق الترغيب وتحقيق لكونهم منذرين واظهار داعي الله من غير اكتفاء بأحد الضميرين بأن يقال: يجبه أو يجب داعيه للمبالغة في الايجاب بزيادة التقرير وتربية المهابة وادخال الروعة.
وتقييد الإعجاز بكونه في الأرض لتوسيع الدائرة أي فليس بمعجز له تعالى بالهرب وان هرب كل مهرب من أقطارها أو دخل في أعماقها، وقوله تعالى: * (وليس له من دونه أولياء) * بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه وجمع الأولياء باعتبار معنى * (من) * فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع لانقسام الآحاد على الآحاد، ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عامر أنه قرأ * (وليس لهم) * بضمير الجمع فإنه لمن باعتبار معناها، وكذا الجمع في قوله سبحانه: * (أول‍ائك) * بذلك الاعتبار أي أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعي الله * (في ضل‍ال مبين) * أي ظاهر كونه ضلالا بحيث لا يخفى على أحد حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
* (أولم يروا أن الله الذى خلق السم‍اوات والارض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحى الموتى بلى إنه على كل شىء قدير) *.
* (أو لم يروا) * الهمزة للإنكار والواو على أحد القولين عطف على مقدر دخله الاستفهام يستدعيه المقام. والرئية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا * (أن الله خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن) * أي لم يتعب بذلك أصلا من عيى كفعل بكسر العين، ويجوز فيه الادعام بمعنى تعب كأعيا، وقال الكسائي: أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز والتحير في الأمر؛ وأنشدوا: عيوا بأمرهم كما * عيت ببيضتها الحمامة أي لم يعجز عن خلقهن ولم يتحير فيه، واختار بعضهم عدم الفرق، وقرأ الحسن * (ولم يعي) * بكسر العين وسكون الياء، ووجهه أنه في الماضي فتح عين الكلمة كما قالوا في بقي بقي بفتح القاف وألف بعدها وهي لغة طيء، ولما بنى الماضي على فعل مفتوح العين بني مضارعه على يفعل مكسورها فجاء يعيي فلما دخل الجازم حذف الياء فبقي يعي بنقل حركة الياء إلى العين فسكنت الياء، وقوله تعالى:
* (بقادر) * في حيز الرفع لأنه خبر أن
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»