تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨
ويعقوب. والجحدري * (وفصله) * أي فطمه فالفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى؛ وقيل: الفصال بمعنى وقت الفصل أي الفطم فهو معطوف على مدة الحمل، والمراد بالفصال الرضاع التام المنتهى بالفطام ولذلك عبر بالفصال عنه أو عن وقته دون الرضاع المطلق فإنه لا يفيد ذلك، وفي الوصف تطويل، والآية بيان لما تكابده الأم وتقاسيه في تربية الولد مبالغة في التوصية لها، ولذا اعتنى الشارع ببرها فوق الاعتناء ببر الأب، فقد روي " أن رجلا قال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك " وقد أشير في الآية إلى ما يقتضي البر بها على الخصوص في ثلاث مراتب فتكون الأوامر في الخبر كالمأخوذة من ذلك. واستدل بها علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وجماعة من العلماء على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لما أنه إذا حط عن الثلاثين للفصال حولان لقوله تعالى: * (حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (البقرة: 233) يبقى للحمل ذلك وبه قال الأطباء، قال جالينوس: كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة. وادعى ابن سينا أنه شاهد ذلك.
وأما أكثر مدة الحمل فليس في القرآن العظيم ما يدل عليه؛ وقال ابن سينا في الشفا: بلغني من جهة من أثق به كل الثقة أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل ولدا نبتت أسنانه، وحكي عن أرسطو أنه قال: أزمنة الحمل لكل حيوان مضبوطة سوى الإنسان فربما وضعت المرأة لسبعة أشهر وربما وضعت لثمانية وقلما يعيش الولد في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر، ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر؛ وتحقق ارتباط حكم النسب بأقل مدة الحمل حتى لو وضعته فيما دونه لما يثبت نسبه منه وبعده يثبت وتبرأ من الزنا، ولو أرضعت مرضعة بعد حولين لم يثبت به أحكام الرضاع في التناكح وغيره وفي هذا خلاف لا يعبأ به * (حتى إذا بلغ أشده) * غاية لمقدر أي فعاش أو استمرت حياته حتى إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله * (وبلغ أربعين سنة) * الظاهر أنه غير بلوغ الأشد، وقال بعضهم: إنه بلوغ الأشد والعطف للتأكيد.
وقد ذكر غير واحد أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى جدا خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد، وفي الحديث " إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول بأبي وجه لا يفلح " وأخرج أبو الفتح الأزدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا " من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار " وعلى ذلك قول الشاعر: إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن * له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى * وإن جر أسباب الحياة له العمر وقيل: لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين، وذهب الفخر إلى خلافه مستدلا بأن عيسى ويحيى عليهما السلام أرسلا صبيين لظواهر ما حكي في الكتاب الجليل عنهما، وهو ظاهر كلام السعد حيث قال: من شروط النبوة الذكورة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ولو في الصبا كعيسى ويحيى عليهما السلام إلى آخر ما قال.
وذهب ابن العربي في آخرين إلى أنه يجوز على الله سبحانه بعث الصبي إلا أنه لم يقع وتأولوا آيتي عيسى ويحيى * (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) * (مريم: 30). * (وآتيناه الحكم صبيا) * (مريم: 12) بأنهما أخبار عما سيحصل لهما
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»