ما جاءنا أحد يخبر أنه * في جنة لما مضى أو نار وقال أبو سليمان الدمشقي: أراد وقد خلت القرون من قبلي مكذبة بالبعث، فالكلام كالاستدلال على نفي البعث.
* (وهما يستغيثان الله) * أي يقولان: الغياث بالله تعالى منك، والمراد إنكار قوله واستعظامه كأنهما لجآ إلى الله سبحانه في دفعه كما يقال: العياذ بالله تعالى من كذا أو يطلبان من الله عز وجل أن يغيثه بالتوفيق حتى يرجع عما هو عليه من إنكار البعث * (ويلك ءامن) * أي قائلين أو يقولون له ذلك، وأصل * (ويل) * دعاء بالثبور يقام مقام الحث على الفعل أو تركه إشعارا بأن ما هو مرتكب له حقيق بأن يهلك مرتكبه وأن يطلب له الهلاك فإذا أسمع ذلك كان باعثا على ترك ما هو فيه والأخذ بما ينجيه، وقيل: إن ذلك لأن فيه إشعارا بأن الفعل الذي أمر به مما يحسد عليه فيدعى عليه بالثبور فإذا سمع ذلك رغب فيه، وأيا ما كان فالمراد هنا الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الدعاء بالهلاك * (إن وعد الله حق) * أي البعث، وأضاف الوعد إليه تعالى تحقيقا للحق وتنبيها على خطئه في إسناد الوعد إليهما. وقرأ الأعرج. وعمرو بن فائد * (أن) * بفتح الهمزة على تقدير لأن أو آمن بأن وعد الله حق، ورجح الأول بأن فيه توافق القراءتين * (فيقول) * مكذبا لهما * (ما هاذا) * الذي تسميانه وعد الله تعالى * (إلا أساطير الأولين) * أباطيلهم التي سطروها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة.
* (أولائك الذين حق عليهم القول فىأمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) *.
* (أولائك) * القائلون ذلك، وقيل: أي صنف هذا المذكور بناء على زعم خصوص * (الذي) * وليس بشيء.
* (الذين حق عليهم القول) * وهو قوله تعالى لإبليس: * (لأملأن جهنم منك وممن تعبك منهم أجمعين) * وقد مر تمام الكلام في ذلك. ورد بهذا على من زعم أن الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر لأنه رضي الله تعالى عنه أسلم وجب عنه ما قبل وكان من أفاضل الصحابة، ومن حق عليه القول هو من علم الله تعالى أنه لا يسلم أبدا.
وقيل: الحكم هنا على الجنس فلا ينافي خروج البعض من أحكامه الأخروية، وقيل: غير ذلك مما لا يلتفت إليه.
* (في أمم قد خلت من قبلهم) * في مقابلة * (في إصحاب الجنة) * فهو مثله إعرابا ومبالغة ومعنى، وقوله تعالى: * (من الجن والإنس) * بيان للأمم * (إنهم) * جميعا * (كانوا خاسرين) * قد ضيعوا فطرتهم الأصلية الجارية مجرى رؤوس أموالهم باتباع الشيطان، والجملة تعليل للحكم بطريق الاستئناف. وقرأ العباس عن أبي عمرو * (أنهم) * بفتح الهمزة على تقدير لأنهم. واستدل بقوله عز وجل: * (في أمم قد خلت) * الخ على أن الجن يموتون قرنا بعد قرن كالإنس. وفي " البحر " قال الحسن في بعض مجالسه: الجن لا يموتون فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت.
* (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) *.
* (ولكل) * من الفريقين المذكورين في قوله تعالى: * (أولئك الذين نتقبل عنهم) * (الأحقاف: 16) وفي قوله سبحانه: * (أولئك الذين حق عليهم القول) * وإن شئت فقل في الذين قالوا ربنا الله. والذي قال لوالديه أف * (درجات مما عملوا) * أي من جزاء ما عملوا، فالكلام بتقدير مضاف، والجار والمجرور صفة * (درجات) * و * (من) * بيانية أو ابتدائية و * (ما) * موصولة أي من الذي عملوه من الخير والشر أو مصدرية أي من عملهم الخير والشر، ويجوز أن تكون * (من) * تعليلية بدون تقدير مضاف والجار والمجرور كما تقدم. والدرجات جمع درجة وهي نحو المنزلة لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود ودركا إذا اعتبرت بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنة ودركات النار.