لا عما حصل بالفعل، ومثله كثير في الآيات وغيرها، والواقع عند هؤلاء البعث بعد البلوغ. وحكى اللقاني عن بعض اشتراطه فيه ويترجح عندي اشتراطه فيه دون أصل النبوة لما أن النفوس في الأغلب تأنف عن اتباع الصغير وإن كبر فضلا كالرقيق والأنثى، وصرح جمع بأن الأعم الأغلب كون البعثة على رأس الأربعين كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم: * (قال رب أوزعني) * أي رغبني ووفقني من أوزعته بكذا أي جعلته مولعا به راغبا في تحصيله. وقرأ البزي * (أوزعني) * بفتح الياء * (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) * أي نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها، وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه كذا قيل، وإسلام أبيه بعد الفتح وحينئذ يلزم أن تكون الآية مدنية وإليه ذهب بعضهم، وقيل: إن هذا الدعاء بالنسبة إلى أبويه دعاء بتوفيقهما للإيمان وهو كما ترى. واعترض على التعليل بابن عمر. وأسامة بن زيد. وغيرهما، ونقل عن الواحدي أنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في سفر للشام في التجارة فنزل تحت شجرة سمرة وقال له الراهب: إنه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم فوقع في قلبه تصديقه فلم يكن يفارقه في سفر ولا حضر فلما نبىء وهو ابن أربعين آمن به وهو ابن ثمانية وثلاثين فلما بلغ الأربعين قال: * (رب أوزعني) * الخ * (وأن أعمل صالحا ترضاه) * التنوين للتفخيم والتكثير، والمراد بكونه مرضيا له تعالى مع أن الرضا على ما عليه جمهور أهل الحق الإرادة مع ترك الاعتراض وكل عمل صالح كذلك أن يكون سالما من غوائل عدم القبول كالرياء والعجب وغيرهما، فحاصله اجعل عملي على وفق رضاك: وقيل المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية * (وأصلح لي في ذريتي) * أي اجعل الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم كما في قوله: فإن تعتذر في المحل من ذي ضروعها * لدى المحل يجرح في عراقيبها نصلي على أن * (أصلح) * نزل منزلة اللازم ثم عدي بفي ليفيد ما أشرنا إليه من سريان الصلاح فيهم وكونهم كالظرف له لتمكنه فيهم وإلا فكان الظاهر وأصلح لي ذريتي، وقيل: عدي بفي لتضمنه معنى اللطف أي ألطف بي في ذريتين، والأول أحسن، قال ابن عباس: أجاب الله تعالى دعاء أبي بكر فأعتق تسعة من المؤمنين منهم بلال. وعامر بن فهيرة ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله تعالى عليه، ودعا أيضا فقال: * (أصلح لي في ذريتي) * فأجابه الله تعالى فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا، وقد أدرك أبوه وولده عبد الرحمن وولده أبو عتيق النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين * (إني تبت إليك) * عما لا ترضاه أو يشغل عنك * (وإني من المسلمين) * الذين أخلصوا أنفسهم لك.
* (أولائك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فىأصحابالجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون) *.
* (أولائك) * إشارة إلى الإنسان، والجمع لأن المراد به الجنس المتصف بالمعنى المحكي عنه، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلته وعلو درجته أي أولئك المنعوتون بما ذكر من النعوت الجليلة.
* (الذين نتقبل عنهم أحسن ما علموا) * من الطاعات فإن المباح حسن لا يثاب عليه * (ونتجاوز عن سيآتهم) * لتوبتهم المشار إليها بأني تبت وإلا فعند أهل الحق أن مغفرة الذنب مطلقا لا تتوقف على توبة * (في أصحاب الجنة) *