أنهم مجادلون معرضون عن القرآن وتدبره غير مهتدين ببشائره ونذره.
وقال بعضهم: الظرف معمول - لسيقولون - والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي، والتسبب المشعرة به عن كفرهم، و * (سيقولون) * بمعنى قالوا، والعدول إليه للإشعار بالاستمرار. وتعقب بأن ذلك مع السين بعيد، وقيل: إذ تعليلية للقول. وتعقب بأنه معلل كما آذنت به الفاء، وقدر بعضهم العامل المحذوف قالوا ما قالوا، ورجحه على التقدير السابق وليس براجح عليه كما لا يخفى على راجح.
* (ومن قبله كتابموسى إماما ورحمة وهاذا كتابمصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) *.
* (ومن قبله) * أي من قبل القرآن وهو خبر مقدم لقوله تعالى: * (كتاب موسى) * قدم للاهتمام، وجوز الطبرسي كون * (كتاب) * معطوفا على * (شاهد) * والظرف فاصل بين العاطف والمعطوف، والمعنى وشهد كتاب موسى من قبله، وجعل ضمير * (قبله) * للقرآن أيضا وليس بشيء أصلا، وقوله سبحانه: * (إماما ورحمة) * حال من الضمير في الخبر أو من * (كتاب) * عند من جوز الحال من المبتدأ، وقيل: حال من محذوف والعامل كذلك أي أنزلناه إماما وهو كما ترى.
والمعنى وكائن من قبله كتاب موسى يقتصي به في دين الله تعالى وشرائعه كما يقتدي بالإمام ورحمة من الله سبحانه لمن آمن به وعمل بموجبه، وقوله تعالى: * (وهاذا) * أي القرآن الذي يقولون في شأنه ما يقولون * (كتاب) * مبتدأ خبر، وقوله عز وجل: * (مصدق) * نعت * (كتاب) * وهو مصب الفائدة أي مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة أو لما بين يديه من جميع الكتب الإلهية، وقد قرىء * (مصدق لما بين يديه) * والجملة عطف على الجملة قبلها وهي حالية أو مستأنفة، وأيا ما كان فالكلام رد لقولهم: * (هذا إفك قديم) * وإبطال له، والمعنى كيف يصح كونه إفكا قديما وقد سلموا كتاب موسى والقرآن مصدق له متحد معه في المعنى أو لجميع الكتب الإلهية، وقوله تعالى: * (لسانا عربيا) * حال من ضمير * (كتاب) * المستتر في * (مصدق) * أو منه نفسه لتخصيصه بالصفة، وعامله على الأول * (مصدق) * وعلى الثاني ما في هذا من معنى الفعل، وفائدة هذه الحال مع أن عربيته أمر معلوم لكل أحد الأشعار بالدلالة على أن كونه مصدقا كما دل على أن حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله تعالى.
هذا على القول بأن الكلام مع اليهود ظاهر، وأما على القول بأنه مع كفار مكة فلأنهم قد يسلمون التوراة ونحوها من الكتب الإلهية السابقة وإن كانوا أحيانا ينكرون انزال الكتب وإرسال الرسل عليهم السلام مطلقا. وفي " الكشف " وجه تقديم الخبر في قوله تعالى: * (ومن قبله كتاب موسى) * أن إرسال الرسل وإنزال الكتب أمر مستمر كائن من عند الله تعالى فمن قبل إنزال القرآن إماما ورحمة كان إنزال التوراة كذلك، وليس من تقديم الاختصاص بل لأن العناية والاهتمام بذكره، ولما ألزم الكفار بنزول مثله وشهادة أعلم بني إسرائيل ذكر على سبيل الاعتراض من حال كتاب موسى عليه السلام ما يؤكد كونه من عند الله تعالى وأن ما يطابقه يكون من عنده سبحانه لا محالة وتوصل منه إلى أن القرآن لما كان مصدقه بل مصدق سائر الكتب السماوية وجب أن يؤمن به ويتلقى بالقبول؛ وهو بالحقيقة إعادة للدعوى الأولى على وجه أخصر وأشمل إذ دل فيه على أن كونه مصدقا كانف شهد شاهد بني إسرائيل أو لا، وإن قلي: نزلوا لعنادهم منزلة من لا يعرف أن كتاب موسى قبله إذ لو عرفوا وقد تبين أنه مثله لأذعنوا فقيل: * (ومن قبله) * لا من بعده لكان وجها موفى فيه حق الاختصاص كما آثره السكاكي من أنه لازم التقديم انتهى. وهو ظاهر في أن الجملة ليست حالية.