تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٢
والفاء في قوله تعالى: * (فآمن) * أي بالقرآن للسببية فيكون إيمانه مترتبا على شهادته له بمطابقته للوحي، ويجوز أن تكون تفصيلية فيكون إيمانه به هو الشهادة له، والمعنى على تقدير أن يراد فآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر بأدنى التفاوت، وقوله تعالى: * (واستكبرتم) * أي عن الايمان معطوف على ما أشرنا إلليه * (شهد شاهد) * وجوز كونه معطوفا على * (آمن) * لأنه قسيمه ويجعل الكل معطوفا على الشرط، ولا تكرار في * (استكبرتم) * لأن الاستكبار بعد الشهادة والكفر قبلها، وقوله تعالى: * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * أي الموسومين بهذا الوصف، استئناف بياني في مقام التعليل للاستكبار عن الايمان، ووصفهم بالظلم للاشعار بعلة الحكم فتشعر هذه الجملة بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم وهو دليل جواب الشرط ولذا حذف ومفعولا * (أرأيتم) * محذوفان أيضا لدلالة المعنى عليهما، والتقدير أرأيتم حالكم إن كان كذا فقد ظلمتم ألستم ظالمين، فالمفعول الأول حالكم والثاني ألستم ظالمين، والجواب فقد ظلمتم، وقال ابن عطية: في * (أرأيتم) * يحتمل أن تكون منبهة فهي لفظ موضوع للسؤال لا تقتضي مفعولا، ويحتمل أن تكون جملة * (إن كان) * الخ سادة مسد مفعوليها، وهو خلاف ما قرره محققو النحاة في ذلك. وقدر الزمخشري الجواب ألستم ظالمين بغير فاء. ورده أبو حيان بأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابا للشرط لزمها الفاء فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء وإلا تأخرت، ولعله تقدير معنى لا تقدير إعراب، وقدره بعضهم أفتؤمنون لدلالة * (فآمن) * وقدره الحسن فمن أضل منكم لقوله تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد) * (فصلت: 52) وقوله سبحانه: * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * وقيل: التقدير فمن المحقق منا ومنكم ومن المبطل؟ وقيل: تهلكون، وقيل: هو * (فآمن واستكبرتم) * أي فقد آمن محمد صلى الله عليه وسلم به أو الشاهد واستكبرتم أنتم عن الايمان، وأكثرها كما ترى.
والشاهد عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه عند الجمهور. وابن عباس. والحسن. ومجاهد. وقتادة. وابن سيرين. والضحاك. وعكرمة في رواية ابن سعد. وابن عساكر عنه. وفي " الكشف " في جعله شاهدا والسورة مكية بحث ولهذا استثنيت هذه الآية، وتحقيقه أنه نزل ما سيكون منزلة الواقع ولهذا عطف * (شهد) * وما بعده على قوله تعالى: * (كان من عند الله وكفرتم) * ليعلم أنه مثله في التحقيق فيكون على أسلوب قوله سبحانه: * (كما أنزلنا على المقتسمين) * (الحجر: 90) أي أنذر قريشا مثل ما أنزلناه على يهود بني قريظة وقد أنزل عليهم بعد سبع سنين من نزول الآية، ومصب الإلزام في قوله تعالى: * (فآمن) * كأنه قيل: أخبروني إن يؤمن به عالم من بني إسرائيل أي عالم لما تحقق عنده أنه مثل التوراة ألستم تكونون أضل الناس، ففي الدلالة على أنه مثل التوراة يجب الايمان به شهد ذلك الشاهد أو لم يشهد لأن تلك الشهادة يعقبها الايمان من غير مهلة فلو لم يؤمن لم يكن عالما بما في التوراة؛ وهذا يصلح جوابا مستقلا من غير نظر إلى الأول فافهم، وقول من قال: الشاهد عبد الله على هذا بيان للواقع وأنه كان ممن شهد وآمن لا أن المراد بلفظ الآية عبد الله خصوصا، وعلى الوجهين لا بد من تأويل من قول سعد، وقد تقدم في حديث الشيخين وغيرهما وفيه نزل * (وشهد شاهد) * بأن المراد في شأنه الذي سيحدث على الأول أو فيه وفيمن هو على حاله كأنه قيل: هو النازلين فيه لأنه كان من الشاهدين انتهى.
وتعقب قوله: إنه نزل ما سيكون منزلة الواقع بأنه لا حاجة إلى ذلك التنزيل على تقدير مكيتها، وكون
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»