شاكا في أنه هل هو مغفور له أم لا، وبأنه لا شك أن الأنبياء أرفع حالا من الأولياء، وقد قال الله تعالى فيهم: * (إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) فكيف يعتقد بقاء الرسول وهو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكا في أنه هل هو من المغفورين أم لا، وقد يقال: المراد أيضا أنه عليه الصلاة والسلام ما يدري ذلك على التفصيل، وما ذكر لا يتعين فيه حصول العلم التفصيلي لجواز أن يكون عليه الصلاة والسلام قد أعلم بذلك في مبدأ الأمر إجمالا بل في إعلامه صلى الله عليه وسلم بعد بحال كل شخص شخص على سبيل التفصيل بأن يكون قد أعلم عليه الصلاة والسلام بأحوال زيد مثلا في الآخرة على التفصيل وبأحوال عمرو وكذلك وهكذا توقف.
وفي " صحيح البخاري " وأخرجه الإمام أحمد. والنسائي. وابن مردويه عن أم العلاء، وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت لما مات عثمان بن مظعون: رحمة الله تعالى عليك يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أن الله تعالى أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء: فوالله ما أزكي بعده أحدا، وفي رواية ابن حبان. والطبراني عن زيد بن ثابت أنها قالت لما قبض طب: أبا السائب نفسك إنك في الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم. وما يدريك؟ قالت: يا رسول الله عثمان بن مظعون قال: أجل وما رأينا إلا خيرا والله ما أدري ما يصنع بي، وفي رواية الطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس أنه لما مات قالت امرأته أو امرأة: هنيئا لك ابن مظعون الجنة فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب وقال: وما يدريك؟ والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل الله بي فقالت: يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم فقال: أرجو له رحمة ربه تعالى وأخاف عليه ذنبه، لكن في هذه الرواية أن ابن عباس قال: وذلك قبل أن ينزل * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2) وعن الضحاك المراد لا أدري ما أومر به ولا ما تؤمرون به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان، والذي اختاره أن المعنى على نفي الدراية من غير جهة الوحي سواء كانت الدراية تفصيلية أو إجمالية وسواء كان ذلك في الأمور الدنيوية أو الأخروية وأعتقد أنه صلى الله عليه وسلم لم ينتقل من الدنيا حتى أوتي من العلم بالله تعالى وصفاته وشؤنه والعلم بأشياء يعد العلم بها كمالا ما لم يؤته أحد غيره من العالمين، ولا أعتقد فوات كمال بعدم العلم بحوادث دنيوية جزئية كعدم العلم بما يصنع زيد مثلا في بيته وما يجري عليه في يومه أو غده، ولا أرى حسنا قول القائل: إنه عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب واستحسن أن يقال بدله: إنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على الغيب أو علمه سبحانه إياه أو نحو ذلك، وفي الآية رد على من ينسب لبعض الأولياء علم كل شيء من الكليات والجزئيات، وقد سمعت خطيبا على منبر المسجد الجامع المنسوب للشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره يوم الجمة قال بأعلى صوت: يا باز أنت أعلم بي من نفسي، وقال لي بعض: إني لأعتقد أن الشيخ قدس سرهع يعلم كل شيء مني حتى منابت شعري، ومثل ذلك مما لا ينبغي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ينسب إلى من سواه؟ فليتق العبد مولاه، وفيما تقدم من الأخبار في شأن عثمان بن مظعون رد أيضا على من يقول فيمن دونه في الفضل أو من لم يبشره الصادق بالجنة والكرامة نحو ما قيل فيه. نعم ينبغي الظن الحسن في المؤمنين أحياء وأمواتا ورجاء الخير لكل منهم فالله تعالى أرحم الراحمين، هذا والظاهر أن * (ما) * استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء