تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٣
الشاهد ابن سلام لمكان العطف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا وحينئذ لا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها، ومع هذا فالظاهر من الأخبار أن النزول كان في المدينة وأنه بعد شهادة ابن سلام. أخرج أبو يعلى. والطبراني والحاكم بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحبط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم عليه الصلاة والسلام فلم يجبه أحد فثلث فلم يجبه أحد فقال: أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفى آمنتم أو كذبتم ثم انصرف صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله تعالى ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قال: فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه في التوراة والإنجيل فقالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام فأنزل الله تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل) * الآية، وروى حديث شهادته وإيمانه على وجه آخر، ولا يظهر لي الجمع بينه وبين ما ذكر، وهو أيضا ظاهر في كون النزول بعد الشهادة. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: جاء ميمون بن يامين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأس اليهود بالمدينة فأسلم وقال: يا رسول الله ابعث إليهم - يعني اليهود - فاجعل بينك وبينهم حكما من أنفسهم فإنهم سيرضوني فبعث عليه الصلاة والسلام إليهم وأدخله الداخل فأتوه فخاطبوه مليا فقال لهم: اختاروا رجلا من أنفسكم يكون حكما بيني وبينكم قالوا: فإنا قد رضينا بميمون بن يامين فأخرجه إليهم فقال لهم ميمون: لنشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على الحق فأبوا أن يصدقوه فأنزل الله تعالى فيه * (قل أرأيتم) * الآية، وهو ظاهر في مدنية الآية وأن نزولها قبل شهادة الشاهد لكنه ظاهر في أن الشاهد غير عبد الله بن سلام، وكونه كان يسمى بذلك قبل لم أره، ولا يظهر لي وجه التعبير به دون المشهود إن كان، والذي رأيته في الاستيعاب في ترجمة عبد الله ابن سلام بن الحرث الإسرائيلي الأنصاري يكنى أبا يوسف وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله والله تعالى أعلم.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ ما يعتقدونه في عبد الله بن أنه صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله تعالى عنها اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه فعلموا أنه صابح دولة فأصحبوه عليه السلام سلام وبقي معه مدة فتعلم منه علم الشرائع والأمم السالفة وأفرطوا في الكذب إلى أن نسبوا القرآن المعجز إلى تأليف عبد الله بن سلام وعبد الله هذا مما ليس له إقامة بمكة ولا تردد إليها، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم إلا في المدينة وأسلم إذ قدمها عليه الصلاة والسلام أو قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعامين على ما حكاه في " البحر " عن الشعبي، فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم الله تعالى، وناهيك من طائفة ما ذم في القرآن طائفة مثلها.
وأخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر عن مسروق أن الشاهد هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وقد تقدم أنه كان يدعي مكية الآية وينكر نزولها في ابن سلام ويقول: إنما كانت خصومة خاصم بها محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنه على هذا لا يحتاج إلى القول بأنها نزلت بخصوص شاهد، وأيد عدم إرادة الخصوص بأن * (شاهد) * في الآية نكرة والنكرة في سياق الشرط تعم، وأنا أقول: بكون التنوين في
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»