تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٥
وسبب نزولها على ما في " البحر " أن قريشا سألت عن قصة لقمان مع ابنه وعن بر والديه فنزلت. ووجه مناسبتها لما قبلها على ما فيه أيضا أنه قال تعالى فيما قبل: * (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) * (الروم: 58) وأشار إلى ذلك في مفتتح هذه السورة، وأنه كان في آخر ما قبلها * (ولئن جئتهم بآية) * وفيها * (وإذا تتلى عليه آياتنا ولي مستكبرا) * وقال الجلال السيوطي: ظهر لي في اتصالها بما قبلها مع المؤاخاة في الافتتاح - بألم - إن قوله تعالى: * (هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) * (لقمان: 3، 4) متعلق بقوله تعالى: في ما قبل: * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) * الآية فهذا عين إيقانهم بالآخرة وهم المحسنون الموصوفون بما ذكر، وأيضا ففي كلتا السورتين جملة من الآيات وابتداء الخلق.
وذكر في السابقة * (في روضة يحبرون) * (الروم؛ 15) وقد فسر بالسماع وذكر هنا * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * (لقمان: 6) وقد فسر بالغناء وآلات الملاهي اه‍.
وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك، وأقول في الاتصال أيضا: إنه قد ذكر فيما تقدم قوله تعالى: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) * (الروم: 27) وهنا قوله سبحانه: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * وكلاهما يفيد سهولة البعث وقرر ذلك هنا بقوله عز قائلا: * (إن الله سميع بصير) * (لقمان: 28) وذكر سبحانه هناك قوله تعالى: * (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) * (الروم: 33) وقال عز وجل هنا: * (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) * (لقمان: 32) فذكر سبحانه في كل من الآيتين قسما لم يذكره في الأخرى إلى غير ذلك.
وما ألطف هذا الاتصال من حيث أن السورة الأولى ذكر فيها مغلوبية الروم وغلبتهم المبنيتين على المحاربة بين ملكين عظيمين من ملوك الدنيا تحاربا عليها وخرج بذلك عن مقتضى الحكمة فإن الحكيم لا يحارب على دنيا دنية لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة وهذه ذكر فيها قصة عبد مملوك على كثير من الأقوال حكيم زاهد في الدنيا غير مكترث بها ولا ملتفت إليها أوصى ابنه بما يأبي المحاربة ويقتضي الصبر والمسالمة وبين الأمرين من التقابل ما لا يخفى.
* (ال - م * تلك ءاي‍ات الكت‍ابالحكيم) *.
* (الم * تلك ءايات الكتاب الحكيم) * أي ذي الحكمة، ووصف الكتاب بذلك عند بعض المغاربة مجاز لأن الوصف بذلك للتملك وهو لا يملك الحكمة بل يشتمل عليها ويتضمنها فلأجل ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة، واستظهر الطيبي أنه على ذلك من الاستعارة المكنية. والحق أنه من باب * (عيشة راضية) * (الحاقة: 21) على حد لابن وتامر.
نعم يجوز أن يكون هناك استعارة بالكناية أي الناطق بالحكمة كالحي، ويجوز أن يكون الحكيم من صفاته عز وجل ووصف الكتاب به من باب الإسناد المجازي فإنه منه سبحانه بدا، وقد يوصف الشيء بصفة مبدئه كما في قول الأعشى: وغريبة تأتي الملوك حكيمة * قد قلتها ليقال من ذا قالها وأن يكون الأصل الحكيم منزله أو قائله فحذف المضاف إلى الضمير المجرور وأقيم المضاف إليه مقامه
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»