تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٠
فالكلام تأسف وتحسر على إضاعتهم أيام حياتهم، وبين الساعة وساعة جناس تام مماثل كما أطبق عليه البلغاء إلا من لا يعتد به ولا يضر في ذلك اختلاف الحركة الإعرابية ولا وجود أل في إحدى الكلمتين لزيادتها على الكلمة، وكذا لا يضر اتحاد مدلولهما في الأصل لأن المعرفة فيه كالمنكر بمعنى القطعة من الزمان لمكان النقل في المعرف وصيرورته علما على القيامة كسائر الأعلام المنقولة وأخذ أحدهما من الآخر لا يضر أيضا كما يوضح ذلك ما قرروه في جناس الاشتقاق، وظن بعضهم أن الساعة في القيامة مجاز ولذا أنكر التجنيس هنا إذ التجنيس المذكور لا يكون بين حقيقة ومجاز فلا تجنيس في نحو ركبت حمارا ولقيت حمارا معهمما تعني رجلا بليدا واشتهر أنه لم يقع في القرآن الكريم هذا النوع من الجناس إلا في هذا الموضع، واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر عليه الرحمة موضعا آخر وهو قوله تعالى: * (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار * يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) * (النور: 743 44) لأن الأبصار الأول جمع بصر والأبصار الثاني مراد به ما هو جمع بصيرة، وتعقب بأنه وإن كان الإبصار الثاني مراد به ما هو جمع بصيرة إلا أنه ليس من باب الحقيقة بل بطريق المجاز والاستعارة لأن البصيرة ما تجمع على أبصار بل على بصائر، فقد قال علماء العربية: إن صيغة أفعال من جموع القلة لا تطرد إلا في اسم ثلاثي مفتوح الفاء كبصر وأبصار أو مكسورها كعنب وأعناب أو مضمومها كرطب وأرطاب ساكن العين كثوب وأثواب أو محركها كما تقدم وكعضد وأعضاد وفخذ وأفخاذ، وصيغة فعائل من جموع الكثرة لا تطرد إلا في اسم رباعي مؤنث بالتاء أو بالمعنى ثالثه مدة كسحابة وسحائب وبصيرة وبصائر وحلوبة وحلائب وشمال وشمائل وعجوز وعجائز وسعيد علم امرأة وسعائد فاستعيرت الأبصار للبصائر يجامع ما بينهما من الإدراك والتمييز.
وقد سمعت أن هذا النوع لا يكون بين حقيقة ومجاز فليحفظ * (كذالك) * أي مثل ذلك الإفك * (كانوا) * أي في الدنيا * (يؤفكون) * أي يصرفون عن الصدق والتحقيق، والغرض من سوق الآية الإغراق في وصف المجرمين بالتمادي في التكذيب والإصرار على الباطل أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن أنه ما كان إلا ساعة فسوق الكلام للتعجب من اغترارهم بلامع السراب والغرض أن يحقر عندهم مافيه من التمتعات وزخارف الدنيا كي يقلعوا عن العناد ويرجعوا إلى سبيل الرشاد فكأنه: قيل مثل ذلك الإفك العجيب الشأن كانوا يؤفكون في الدنيا اغترارا بما عدده ساعة استقصارا والصارف لهم هو الله تعالى أو الشيطان أو الهوى، وأيا ما كان فليس ذاك إلا لسوء اختيارهم وخباثة استعدادهم، وفي الآية على أحد الأقوال دليل على وقوع الكذب في الآخرة من الكفرة.
واستدل بها بعضهم على نفي عذاب القبر، وليس بشيء.
* (وقال الذين أوتوا العلم والإيم‍ان لقد لبثتم فى كت‍ابالله إلى يوم البعث فه‍اذا يوم البعث ول‍اكنكم كنتم لا تعلمون) *.
* (وقال الذين أوتوا العلم والايمان) * في الدنيا من الملائكة أو الانس أو منهما جميعا * (لقد لبثتم في كتاب الله) * أي في علمه وقضائه أو ما كتبه وعينه سبحانه أو اللوح المحفوظ أو القرآن وهو قوله تعالى: * (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) * (المؤمنون: 100) وأيا ما كان فالجار والمجرور متعلق بما عنده.
وأخرج عبد بن حمي. د وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم - وفيه من البعد ما فيه - أن الكلام على التقديم والتأخير والأصل وقال الذين أوتوا العلم والايمان في كتاب الله لقد لبثتم * (إلى يوم البعث) * والكلام رد لما قالوه مؤكد باليمين أو توبيخ وتفضيح وتهكم بهم فتأمل * (فهذا يوم البعث) * الذي كنتم توعدون في الدنيا والفاء فصيحة كأنه قيل: إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه أي فنخبركم أنه قد تبين بطلان إنكاري
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»