تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٨
الشعبي قال: عن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغناء فقال للسائل: أنهاك عنه وأكرهه لك فقال السائل: أحرام هو؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز الله تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء، واخرجا عنه أيضا أنه قال: " لعن الله تعالى المغني والمغنى له "، وفي " السنن " عن ابن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل "، وأخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا ورواه عن أبي هريرة. والديلمي عنه وعن أنس وضعفه ابن القطان، وقال النووي لا يصح، وقال العراقي: رفعه غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم وفيه إشارة إلى أن وقفه على ابن مسعود صحيح وهو في حكم المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الرأي، وأخرج ابن أبي الدنيا. وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله تعالى إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك " وأخرج ابن أبي الدنيا. والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن الوليد الناقص: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا، وقال الضحاك: الغناء منفدة للمال مسخطة للرب مفسدة للقلب، وأخرج سعيد بن منصور. وأحمد. والترمذي. وابن ماجه. وابن جرير وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وغيرهم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * إلى لآخر الآية " وفي رواية ابن أبي الدنيا. وابن مردويه عن عائشة قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ثم قرأ * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * " ويعود هذا ونحوه إلى ذم الغناء.
وقيل: الغناء جاسوس القلب وسارق المروءة والعقول يتغلغل في سويداء القلوب ويطلع على سرائر اوفئدة ويدب إلى بيت التخييل فينشر ما غرز فيها من الهوى والشهوة والسخافة والرعونة فبينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار العلم كلامه حكمة وسكوته عبرة فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه وذهبت مروءته وبهاؤه فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ويبدي من أسراره ما كان يكتمه وينتقل من بهاء السكوت والسكون إلى كثرة الكلام والهذيان والاهتزاز كأنه جان وربما صفق بيديه ودق الأرض برجليه وهكذا تفعل الخمر إلى غير ذلك، واختلف العلماء في حكمه فحكى تحريمه عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه القاضي أبو الطيب. والقرطبي. والماوردي. والقاضي عياض.
وفي التاتارخانية اعلم أن التغني حرام في جميع الأديان، وذكر في الزيادات أن الوصية للمغنين والمغنيات مما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب، وحكى عن ظهير الدين المرغيناني: أنه قال من قال لمقري زماننا أحسنت عند قراءته كفر، وصاحبا الهداية والذخيرة سمياه كبيرة. هذا في التغني للناس في غير الأعياد والأعراس ويدخل فيه تغني صوفية زماننا في المساجد والدعوات بالأشعار والأذكار مع اختلاط أهل الأهواء والمرد بل هذا أشد من كل تغن لأنه مع اعتقاد العبادة وأما التغني وحده بالأشعار لدفع الوحشة أو في الأعياد والأعراس فاختلفوا فيه والصواب منعه مطلقا في هذا الزمان انتهى.
وفي " الدر المختار " التغني لنفسه لدفع الوحشة لا بأس به عند العامة على ما في العناية وصححه
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»