تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٢
والسلام شاهد من المؤمنين حيث جعلوا الكل مدعين، وقال الإمام: في توحيد الخطاب في * (جئتهم) * وجمعه في * (أنتم) * لطيفة وهي أن الله تعالى قال: إن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل عليهم السلام ويمكن أن يجاء بها يقولوا: أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون انتهى، ولا يخفى أن ما ذكرناه أحسن وألطف.
* (كذالك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) *.
* (كذالك) * أي مثل ذلك الطبع الفظيع، وجوز أن يكون المعنى مثل ذلك القول * (يطبع) * أي يختم * (الله) * الذي جلت عظمته وعظمت قدرته * (على قلوب الذين لا يعلمون) * أي لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها، فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق، ومن هنا قالوا: هو شر من الجهل البسيط، وما ألطف ما قيل: قال حمار الحكيم توما * لو أنصفوني لكنت أركب لأنني جاهل بسيط * وصاحبي جاهل مركب وإطلاق العلم على الطلب مجاز لما أنه لازم له عادة وقيل: المعنى يطبع الله تعالى على قلوب الذين ليسوا من أولى العلم، وليس بذاك، والمراد من * (الذين لا يعلمون) * يحتمل أن يكون الذين كفروا فيكون قد وضع الموصول موضع ضميرهم للنعي بما في حيز العلة، ويحتمل أن يكون عاما ويدخل فيه أولئك دخولا أوليا.
وظاهر كلام بعض الأجلة يميل إلى الاحتمال الأول، وقد تقدم الكلام في طبعه وختمه عز وجل على القلب.
* (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) *.
* (فاصبر) * أي إذا علمت حالهم وطبع الله تعالى على قلوبهم فاصبر على مكارههم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة * (إن وعد الله حق) * وقد وعدك عز وجل بالنصرة وإظهار الدين وإعلاء كلمة الحق ولا بد من إنجازه والوفاء به لا محالة * (ولا يستخفنك) * لا يحملنك على الخفة والقلق * (الذين لا يوقنون) * بما تتلو عليهم من الآيات البينة بتكذيبهم إياها وإيذائهم لك بأباصيلهم التي من جملتها قولهم: * (إن أنتم إلا مبطلون) * (الروم: 58) فإنهم شاكون ضالو ولا يستبدع أمثال ذلك منهم، وقيل: أي لا يوقنون بأن وعد الله حق وهو كما ترى، والحمل وإن كان لغيره صلى الله عليه وسلم لكن النهي راجع إليه عليه الصلاة والسلام فهو من باب لا أرينك ههنا وقد مر تحقيقه فكأنه قيل: لا تخف لهم جزعا، وفي الآية من إرشاده تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعليمه سبحانه له كيف يتلقى المكاره بصدر رحيب ما لا يخفى.
وقرأ ابن أبي إسحق. ويعقوب * (ولا يستحقنك) * بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق، والمعنى لا يفتننك الذين لا يوقنون ويكونوا أحق بك من المؤمنين على أنه مجاز عن ذلك لأن من فتن أحدا استماله إليه حتى يكون أحق به من غيره، والنهي على هذه القراءة راجع إلى أمته عليه الصلاة والسلام دونه صلى الله عليه وسلم لمكان العصمة، وقد تقدم نظائر ذلك وما للعلماء من الكلام فيها.
وقرأ الجمهور بتشديد النون وخففها ابن أبي عبلة. ويعقوب، ومن لطيف ما يروى ما أخرجه ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم. والبيهقي في " سننه " عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلا من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من * (الخاسرين) * (الزمر: 65) فأجابه كرم الله تعالى وجهه وهو في الصلاة * (فاصبر إن وعد الله
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»