تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٣
حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * (الروم: 60) ولا بدع في هذا الجواب من باب مدينة العلم وأخي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (ألم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) * (الروم: 1 - 3) إلى آخره، قيل: الألف إشارة إلى ألفة طبع المؤمنين واللام إلى لؤم طبع الكافرين والميم إلى مغفرة رب العالمين جل شأنه، والروم إشارة إلى اقلب، وفارس المشار إليهم بالضمير النائب عن الفاعل إشارة إلى النفس، والمؤمنون إشارة إلى الروح والسر والعقل، ففي الآية إشارة إلى أن حال أهل الطلب يتغير بتغير الأوقات فيغلب فارس النفس روم القلب تارة ويغلب روم القلب فارس النفس بتأييد الله تعالى ونصره سبحانه تارة أخرى وذلك في بعض سنين من أيام الطلب ويومئذ يفرح المؤمنون الروح والسر والعقل، وعلى هذا المنهاج سلك النيسابوري: * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) * (الروم: 7) فيه إشارة إلى حال المحجوبين ووقوفهم على ظواهر الأشياء، وما من شيء إلا له ظاهر وهو ما تدكره الحواس الظاهرة منه، وباطن وهو ما تدركه العقل بإحدى طريق الإدراك من وجوه الحكمة فيه، ومنه ما هو وراء طور العقل وهو ما يحصل بواسطة الفيض الإلهي وتهذيب النفس أتم تهذيب وهو وإن لم يكن من مستنبطات العقل إلا أن العقل يقبله، وليس معنى أنه ما وراء طور العقل أن العقل يحيله ولا يقبله كما يتوهم، ومما ذكرنا يعلم أن الباطن لا يجب أن يتوصل إليه بالظاهر بل قد يحصل لا بواسطته وذلك أعلى قدرا من حصوله بها، فقول من يقول: إنه لا يمكن الوصول إلى الباطن إلا بالعبور على الظاهر لا يخلو عن بحث * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصاللحات فهم في روضة يحبرون) * (الروم: 15) أي يسرون بالسماع في روضة الشهود وذلك غذاء أرواحهم ونعيمها، وأعلى أنواع السماع في هذه النشأة عند السادة الصوفية ما يكون من الحضرة الإلهية بالأرواح القدسية والأسماع الملكوتية، وهذه الأسماع لم يفارقها سماع * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) واشتهر عندهم السماع في سماع الأصوات الحسنة وسماع الأشباه المحركة لما غلب عليهم من الأحوال من الخوف والرجاء والحب والتعظيم وذلك كسماع القرآن والوعظ والدف والشبابة والأوتار والمزمار والحداء والنشيد وفي ذلك الممدوح والمذموم. وفي قواعد عز الدين عبد العزيز بن عبد عبد السلام الكبرى تفصيل الكلام في ذلك على أتم وجه، وسنذكر إن شاء الله تعالى قريبا ما يتعلق بذلك والله تعالى هو الموفق للصواب * (فسبحان الله حين تمسون) * (الروم: 17) الخ فيه إشارة إلى أنه ينبغي استغراق الأوقات في تنزيه الله سبحانه والثناء عليه جل وعلا بما هو سبحانه وتعالى أهله فإن ذلك روضة هذه النشأة، وفي الأثر إن حلق الذكر رياض الجنة * (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) * (الروم: 19) فيه إشارة إلى أن الفرع لا يلزم أن يكون كأصله. إنما الورد من الشوك ولا * ينبت النرجس إلا من بصل * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) * (الروم: 21) فيه إشارة إلى أن الاشتراك في الجنسية من أسباب الألفة. إن الطيور على أشباهها تقع * (كل حزب بما لديهم فرحون) * (الروم: 32) فيه إشارة إلى أنه عز وجل لم يكره أحدا على ما هو عليه إن حقا وإن باطلا، وإنما وقع التعاشق بين النفوس بحسب استعدادها وما هي عليه فأعطى سبحانه حلت قدرته كل عاشق معشوقه الذي هام به قلب استعداده وصار حبه ملء فؤاده وهذا
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»