فإن صعقوا فهو كما قالوا، ولا يرد على إباحة الغناء وسماعه في بعض الصور خبر ابن مسعود " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل " لا لأن الغناء فيه مقصور وأن المراد به غني المال الذي هو ضد الفقر إذ يرد ذلك أن الخبر روي من وجه آخر بزيادة والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع، ومقابلة الغناء بالذكر ظاهر في المراد به التغني، على أن الرواية كما قال بعض الحفاظ بالمدبل لأن المراد أن الغناء من شأنه أن يترتب عليه النفاق أي العملي بأن يحرك إلى غدر وخلف وعد وكذب ونحوها ولا يلزم من ذلك اطراد الترتب.
وربما يشير إلى ذلك التشبيه في قوله: كما ينبت الماء البقل فإن انبات الماء البقل غير مطرد، ونظير ذلك في الكلام كثير، والقائل بإباحته في بعض الصور إنما يبيحه حيث لا يترتب عليه ذلك. نعم لا شك أن ما هذا شأنه الأحوط بعد كل قيل وقال عدم الرغبة فيه كذا قيل.
وقيل: يجوز أن يكون أريد بالنفاق الايماني، ويؤيده مقابلته في بعض الروايات بالإيمان ويكون مساق الخبر للتنفير عن الغناء إذ كان الناس حديثي عهد بجاهلية كان يستعمل فيها الغناء للهو ويجتمع عليه في مجالس الشرب، ووجه انباته للنفاق إذ ذاك أن كثيرا منهم لقرب عهده بلذة الغناء وما يكون عنده من اللهو والشرب وغيره من أنواع الفسق يتحرك فلبه لما كان عليه ويحن حنين العشار إليه ويكره لذلك الإيمان الذي صده عما هنالك ولا يستطيع لقوة شوكة الإسلام أن يظهر ما أضمر وينبذ الإيمان وراء ظهره ويتقدم إلى ما عنه تأخر فلم يسعه إلا النفاق لما اجتمع عليه مخافة الردة والاشتياق فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك، وأما الآية فإن كان وجه الاستدلال بها تسمية الغناء لهوا فكم لهو هو حلال وإن كان الوعيد على اشترائه واختياره فلا نسلم أن ذلك على مجرد الاشتراء لجواز أن يكون على الاشتراء ليضل عن سبيل الله تعالى ولا شك أن ذلك من الكبائر ولا نزاع لنا فيه؛ وقال ابن عطية: الذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضافا إلى الكفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله تعالى: * (ليضل) * الخ اه.
ومما ذكرنا يعلم ما في الاستدلال بها على حرمة الملاهي كالرباب والجنك والسنطير والكمنجة والمزمار وغيرها من الآلات المطربة بناء على ما روي عن ابن عباس. والحسن أنهما فسرا * (لهو الحديث) * بها نعم أنه يحرم استعمالها واستماعها لغير ما ذكر فقد صح من طرق خلافا لما وهم فيه ابن حزم الضال المضل فقد علقه البخاري ووصله الإسماعيلي. وأحمد. وابن ماجه. وأبو نعيم. وأبو داود بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها وصححه جماعة أخرون من الأئمة كما قاله بعض الحفاظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ليكونن في أمتي قوم يستحلون الخز والخمر والمعازف " وهو صريح في تحريم جميع آلات اللهو المطربة ومما يشبه الصريح في ذلك ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الملاهي عن أنس. وأحمد والطبراني عن ابن عباس. وأبي أمامة مرفوعا " ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف " وهي الملاهي التي سمعتها، ومنها الصنج العجمي وهو صفر يجعل عليها أوتار يضرب بها على ما ذهب إليه غيرو احد خلافا للماوردي حيث قال: إن الصنج يكره مع الغناء ولا يكره منفردا لأنه بانفراده غير مطرب؛ ولعله أراد به العربي وهو قطعتان من صفر تضرب أحدهما بالأخرى فإنه بحسب الظاهر هو الذي لا يطرب منفردا لكن يزيد الغناء طربا، وذكر أنه يستعمله المخنثون في بعض البلاد، ولا يبعد عليه القول بالحرمة، ومنها اليراع وهو الشبابة فإنه مطرب بانفراده بل قال بعض أهل الموسيقى: إنه آلة كاملة جامعة لجميع النغمات إلا يسيرا، وقد أطنب الإمام الدولقي وهو من أجلة