تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦٤
سر الفرح، وما ألطف ما قال قيس بن ذريح.
تعلق روحي روحها قبل خلقنا * ومن قبل ما كنا نطافا وفي المهد فزاد كما زدنا فأصبح ناميا * وليس إذا متنا بمنفصم العقد ولكنه باق على كل حادث * وزائرنا في ظلمة القبر واللحد * (وإذا مس الناس) * (الروم: 33) الآية فيها إشارة إلى أن طبيعة الإنسان ممزوجة من هداية الروح وإطاعتها ومن ضلال النفس وعصيانها، فالناس إذا أظلتهم المحنة ونالتهم الفتنة ومستهم البلية وانكسرت نفوسهم وسكنت دواعيها وتخلصت أرواحهم عن أسر ظلمة شهواتها رجعت أرواحهم إلى الحضرة ووافقتها النفوس على خلاف طباعها فدعوا ربهم منيبين إليه فإدا جاد سبحانه عليهم بكشف ما نالهم ونظر جل وعلا باللطف فيما أصابهم عاد منهم من تمرد إلى عادته المذمومة وطبيعته الدنية المشؤمة * (ظهر الفساد في البر والبحر) * (الروم: 41) الخ فيه إشارة إلى أن الشرور ليست مرادة لذاتها بل هي كبط الجرح وقطع الأصبع التي فيها آكلة * (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * (الروم: 60) فيه إشارة لأهل الوراثة المحمدية أهل الإرشاد بأن يصبروا على مكاره المنكرين المحجوبين الذين لا يوقنون بصدق أحوالهم ولذا يستخفون بهم وينظرون إليهم بنظر الحقارة ويعيرونهم وينكرون عليهم فيما يوقولون ويفعلون، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموقنين وأن يحفظنا وأولادنا وإخواننا من الأمراض القلبية والقالبية بحرمة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة لقمان أخرج ابن الضريس. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: أنزلت سورة لقمان بمكة، ولا استثناء في هذه الرواية. وفي رواية النحاس في تاريخه عنه استثناء ثلاث آيات منها وهي * (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام) * (لقمان: 27) إلى تمام الثلاث فإنها نزلن بالمدينة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر قال له أحبار اليهود: بلغنا أنك تقول: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) أعنيتنا أم قومك؟ قال: كلا عنيت فقالوا: إنك تعلم أننا أوتينا التوراة وفيها بيان كل شيء فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك في علم الله تعالى قليل فأنزل الآيات.
ونقل الداني عن عطاء، وأبو حيان عن قتادة أنهما قالا: هي مكية إلا آيتين هما * (ولو أنما في الأرض) * إلى آخر الآيتين، وقيل: هي مكية إلا آية وهي قوله تعالى: * (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) * (المائدة: 55) فإن إيجابهما بالمدينة، وأنت تعلم أن الصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء كما في " صحيح البخاري " وغيره فما ذكر من أن إيجابها بالمدينة غير مسلم، ولو سلم فيكفي كونهم مأمورين بها بمكة ولو ندبا فلا يتم التقريب فيها، نعم المشهور أن الزكاة إيجابها بالمدينة فلعل ذلك القائل أراد أن إيجابهما معا تحقق بالمدينة لا أن إيجاب كل منهما تحقق فيها، ولايضر في ذلك أن إيجاب الصلاة كان بمكة، وقيل: إن الزكاة إيجابها كان بمكة كالصلاة وتقدير الأنصباء هو الذي كان بالمدينة؛ وعليه لا تقريب فيهما، وآيها ثلاث وثلاثون في المكي والمدني وأربع وثلاثون في عدد الباقين.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»