تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٦١
وجوز أن تكون عاطفة والتعقيب ذكرى أو تعليلية * (ول‍اكنك كنتم لا تعلمون) * إنه حق لتفريطكم في النظر فتستعجلون به استهزاء، وقيل: لا تعلمون البعث ولا تعترفون به فلذا صار مصيركم إلى النار.
وقرأ الحسن * (البعث) * بفتح العين فيهما، وقرىء بكسرهما وهو اسم والمفتوح مصدر، وفي الآية من الدلالة على فضل العلماء ما لا يخفى.
* (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون) *.
* (فيومئذ) * أي يوم إذ يقع ذلك من أقسام الكفار وقول أولى العلم لهم * (لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) * أي عذرهم.
وقرأ الأكثر * (تنفع) * بالتاء محافظة على ظاهر الأمر للفظ وإن توسط بينهما فاصل * (ولا هم يستعتبون) * الاستعتاب طلب العتبى وهي الاسم من الاعتاب بمعنى إزالة العتب كالعطاء والاستعطاء أي لا يطلب منهم آزالة عتب الله تعالى، والمراد به غضبه سبحانه عليهم بالتوبة والطاعة فإنه قد حق عليهم العذاب، وإن شئت قلت: أي لا يقال لهم ارضوا ربكم بتوبة وطاعة كما كان يقال لهم ذلك في الدنيا، وقيل: أي لا يستقيلون فيستقالون بردهم إلى الدنيا.
وقال ابن عطية: هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة بأنهم لا ينفعهم الاعتذار ولا يعطون عتبى وهى الرضا و * (يستعتبون) * بمعنى يعتبون كما تقول يملك ويستملك والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى يفسد إذا كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى انتهى، فجعل استفعل بمعنى فعل.
وحاصل المعنى عليه على ما في البحر هم من الاهمال وعدم الالتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب، وقيل: المعنى عليه هم لا يعاتبون على سياتهم بل يعاقبون، وما ذكرناه أولا هو الذي ينبغي أن يعول عليه، ويا ليت شعري أين ما ادعاه ابن عطية من الفساد إذا كان المفهوم منه لا يطلب منهم عتبى على ما سمعت.
* (ولقد ضربنا للناس فى ه‍اذا القرءان من كل مثل ولئن جئتهم بااية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) *.
* (ولقد ضربنا للناس في ه‍اذا القرآن من كل مثل) * أي وبالله تعالى لقد وصفنا للناس من كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل صفة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من اعتذارهم ولا يسمع من استعتابهم، فضرب المثل اتخاذه وصنعه من ضرب الخاتم واللبن.
والمثل مجاز عن الصفة الغريبة، والمراد بهذا القرآن إما هذه السورة الجليلة الشأن أو المجموع وهو الظاهر، و * (من) * تبعيضية وجوزت الزيادة، وقيل: المعنى وبالله تعالى لقد بينا للناس من كل مثل ينبؤهم عن التوحيد والبعث وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فضرب بمعنى بين والمثل على أصله، وقيل: الدليل العجيب والقرآن بمعنى المجموع * (ولئن جئتهم بآية) * أي مع ضربنا لهم من كل مثل في هذا القرآن الجليل الشأن لئن جئتهم بآية من آياته * (ليقولن الذين كفروا) * لفرط عتوهم وعنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبين لك وللمؤمنين * (إن أنتم إلا مبطلون) * أي مزورون، وجوز حمل الآية على المعجزة أي لئن جئتهم بمعجزة من المعجزات التي اقترحوها ليقولن الذين كفروا الخ، والاتيان بالموصول دون الضمير لبيان السبب الحامل على القول المذكور، وإذا أريد بالناس ما يعم الكفرة وغيرهم فوجه الإظهار ظاهر، وتوحيد الخطاب في * (جئتهم) * على ما يقتضيه الظاهر، وأما جمعه في قولهم: * (إن أنتم) * فلئلا يبقى بزعمهم له عليه الصلاة
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»