تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٥٤
وجل مع ما فيه من التمهيد لما يعقبه من أمر البعث.
وقرأ الجحدري. وابن السميقع. وأبو حيوة * (تحيي) * بتاء التأنيث والضمير عائد على الرحمة، وجوز على قراءة الحرميين ومن معهما أن يكون الضمير للأثر على أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وليس بشيء كما لا يخفى * (إن ذلك) * العظيم الشأن * (لمحيي الموتى) * لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية، وقيل: يحتمل أن يكون النبات الحادث من أجزاء نباتية تفتت وتبددت واختلطت بالتراب الذي فيه عروقها في بعض الأعوام السالفة فيكون كالإحياء بعينه بإعادة المواد والقوى لا بإعادة القوى فقط، وهو احتمال واهي القوى بعيد، ولا نسلم أن المسلم المسترشد يعلم وقوعه، وقوله تعالى: * (وهو على كل شيء قدير) * تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي مبالغ في القدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياؤهم لما أن نسبة قدرته عز وجل إلى الكل سواء.
* (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) *.
* (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) * أي النبات المفهوم من السياق كما قال أبو حيان أو الأثر المدلول عليه بالآثار أو النبات المعبر عنه بل على ما قاله بعضهم، والنبات في الأصل مصدر يقع على القليل والكثير ثم سمي به ما ينبت، وقال ابن عيسى: الضمير للسحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر، وقيل: للريح وهي تذكر وتؤنث، وكلا القولين ضعيفان كما في " البحر ".
وقرأ جناح بن حبيش * (مصفارا) * بألف بعد الفاء، واللام في * (لئن) * موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط، والفاء * (في فرأوه) * فصيحة، واللام في قوله تعالى: * (لظلوا) * لام جواب القسم الساد مسد الجوابين؛ والماضي بمعنى المستقبل كما قاله أبو البقاء. ومكي. وأبو حيان. وغيرهم، وعلل ذلك بأنه في المعنى جواب * (إن) * وهو لا يكون إلا مستقبلا، وقال الفاضل اليمني: إنما قدروا الماضي بمعنى المستقبل من حيث أن الماضي إذا كان متمكنا متصرفا ووقع جوابا للقسم فلا بد فيه من قد واللام معا فالقصر على اللام لأنه مستقبل معنى وفيه نظر، وقدروه بمضارع مؤكد بالنون أي وبالله تعالى لئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة فضربت زرعهم بالصفار فرأوه مصفرا بعد خضرته ونضارته ليطلن * (من بعده) * أي من بعد الإرسال أو من بعد اصفرار زرعهم، وقيل: من بعد كونهم راجين مستبشرين * (يكفرون) * من غير تلعثم نعمة الله تعالى، وفيما ذكر من ذمهم بعدم تثبتهم وسرعة تزلزلهم بين طرفي الإفراط والتفريط ما لا يخفى حيث كان الواجب عليهم أن يتوكلوا على الله سبحانه في كل حال ويلجؤا إليه عز وجل بالاستغفار إذا احتبس عنهم المطر ولا ييأسوا من روح الله تعالى ويبادروا إلى الشكر بالطاعة إذا أصابهم جل وعلا برحمته ولا يفرطوا في الاستبشار وإن يصبروا على بلائه تعالى إذا اعترى زرعهم آفة ولا يكفروا بنعمائه جل شأنه فعكسوا الأمر وأبوا ما يجديهم وأتوا بما يؤذيهم، ولا يخفى ما في الآيات من الدلالة على ترجيح جانب الرحمة على جانب العذاب فلا تغفل.
وقوله تعالى:
* (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعآء إذا ولوا مدبرين) *.
* (فإنك لا تسمع الموتى) * تعليل لما يفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا تحزن لعدم اهتدائهم بتذكيرك فإنك الخ، وفي " الكشف " اعلم أن قوله تعالى: * (الله الذي يرسل الرياح) * (الروم: 48) كلام سيق مقررا لما فهم
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»