تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٣٩
وقيل: بين المؤمنين والمشركين * (يوم القيامة) * فيميز سبحانه بين المحق والمبطل * (فيما كانوا فيه يختلفون) * من أمور الدين.
* (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم إن فى ذلك لايات أفلا يسمعون) *.
* (أو لم يهد لهم) * الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام ويناسب المعطوف معنى على ما اختاره غير واحد، وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول، وإما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن ويفسره قوله تعالى:
* (كم أهلكنا من قبلهم من القرون) * وكم في محل نصب باهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا أو كثرة اهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد. وثمود. وقوم لوط، ولا يجوز أن تكون * (كم) * فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك الزجاج حاكيا له عن البصريين، وقال الفراء: كم في موضع رفع بيهد كأنك قلت: أو لم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا ولا أن يكون محذوفا لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها ولا مضمرا عائدا إلى ما بعد لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة في غير محل جوازه، ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال، وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى: * (إن ربك) * الخ وأيد بقراءة زيد * (نهد لهم) * بنون العظمة، قال الخفاجي: والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم فلا تغفل.
* (يمشون في مساكنهم) * أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم، والجملة حال من ضمير * (لهم) *، وقيل: من * (القرون) *، والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم، وقيل: مستأنفة بيان لوجه هدايتهم.
وقرأ ابن السميقع * (يمشون) * بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير * (إن في ذالك) * أي فيما ذكر من اهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم * (لآيات) * عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها * (أقلا يسمعون) * هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ.
* (أولم يروا أنا نسوق المآء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنع‍امهم وأنفسهم أفلا يبصرون) *.
* (أو لم يروا) * الكلام فيه كالكلام في * (أو لم يهد) * أي أعموا ولم يشاهدوا * (إنا نسوق الماء) * بسوق السحاب الحامل له، وقيل: نسوق نفس الماء بالسيول، وقيل: بإجرائه في الأنهار ومن العيون * (إلى الأرض الجرز) * أي التي جرز نباتها أي قطع اما لعدم الماء واما لأنه رعى وأزيل كما في الكشاف.
وفي مجمع البيان الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطاء عنها من قولهم: سيف جراز أي طاع لا يبقى شيئا إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقى شيئا إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول، قال الراجز: خب جروز وإذا جاع بكى وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بحروزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اه‍، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»