تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٣٨
عن أبي العالية أنه قال كذلك فقيل له: أو لقي عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم ألا ترى إلى قوله تعالى: * (واسال من أرسلنا من قبلك من رسلنا) * (الزخرف: 45) وأراد بذلك لقاءه صلى الله عليه وسلم إياه ليلة الإسراء كما ذكر في الصحيحين. وغيرهما، وروي نحو ذلك عن قتادة. وجماعة من السلف، وقاله المبردحين امتحن الزجاج بهذه الآية، وكأن المراد من فوله تعالى: * (فلا تكن في مرية من لقائه " على هذا وعده تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بلقاء موسى وتكون الآية نازلة قبل الإسراء، والجملة اعتراضية بالفاء بدل الواو كما سمعت آنفا.
وجعلها مفرعة على ما قبلها غير ظاهر، وبهذا اعترض بعضهم على هذا التفسير، وبالفرار إلى الاعراض سلامة من الاعتراض وكأنى بك ترجحه على التفسير الأول من بعض الجهات والله تعالى الموفق * (وجعلناه) * أي الكتاب الذي آتيناه موسى، وقال قتادة. أي وجعلنا موسى عليه السلام * (هدى) * أي هاديا من الضلال * (لبني إسرائيل) * خصوا بالذكر لما أنهم أكثر المنتفعين به، وقيل: لأنه لم يتعبد بما في كتابه عليه الصلاة والسلام ولد اسماعيل صلى الله عليه وسلم.
* (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بااي‍اتنا يوقنون) *.
* (وجعلنا منهم أئمة) * قال قتادة: رؤساء في الخير سوى الأنبياء عليهم السلام، وقيل: هم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل * (يهدون) * بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والأحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله تعالى وشرائعه عز وجل * (بأمرنا) * إياهم بأن يهدوا على أن الأمر واحد الأوامر، وهذا على القول بأنهم أنبياء ظاهر، وأما على القول بأنهم ليسوا بأنبياء فيجوز أن يكون أمره تعالى إياهم بذلك على حد أمر علماء هذه الأمة بقوله تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) * (آل عمران: 104) الآية.
وجوز أن يكون الأمر واحد الأمور والمراد يهدون بتوفيقنا * (لما صبروا) * قال قتادة: على ترك الدنيا؛ وجوز غيره أن يكون المراد لما صبروا على مشاق الطاهر ومقاساة الشدائد في نصرة الدين، و * (لما) * يحتمل أن تكون هي التي فيها معنى الجزاء نحو لما أكرمتني أكرمتك أي لما صبروا جعلنا أئمة، ويحتمل على تكون هي التي بمعنى الحين الخالية عن معنى الجزاء، والظاهر أنه حينئذ ظرف لجعلنا أي جعلناهم أئمة حين صبروا، وجوز أبو البقاء كونها ظرفا ليهدون.
وقرأ عبد الله. وطلحة. والأعمش. وحمزة. والكسائي. ورويس * (لما) * بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام للتعليل وما مصدرية أي لصبرهم وهو متعلق بجعلنا أو بيهدون. وقرأ عبد الله أيضا * (بما) * بالباء السببية وما المصدرية أي بسبب صبرهم * (وكانوا بآي‍اتنا) * التي في تضاعيف الكتاب، وقيل: المراد بها ما يعم الآيات التكوينية، والجار متعلق بقوله تعالى: * (يوقنون) * أي كانوا يوقنون بها لا معانهم فيها النظر لا بغيرها من الأمور الباطلة، وهو تعريض بكفرة أهل مكة، والجملة معطوفة على * (صبروا) * فتكون داخلة في حيز * (لما) * وجوز أن تكون معطوفة على * (جعلنا) * وأن تكون في موضع الحال من ضمير * (صبروا) *.
والمراد كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتيناكه أو لنجعلنك هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة بهدون مثل تلك الهداية.
* (إن ربك هو يفصل بينهم يوم القي‍امة فيما كانوا فيه يختلفون) *.
* (إن ربك هو يفصل) * أي يقضى * (بينهم) * قيل: بين الأنبياء عليهم السلام وأممهم،
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»