تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٣٦
الله تعالى عنه. والوليد بن عقبة يوم بدر كلام فقال له الوليد: اسكت فإنك صبي أنا أشب منك شبابا وأجلد منك جلدا وأذرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنابا وأملأ منك حشوا في الكتيبة فقال له علي كرم الله تعالى وجهه: اسكت فإنك فاسق فنزلت، ولم نره بهذا اللفظ مسندا، وقال الخفاجي: قال ابن حجر إنه غلط فاحش فإن الوليد لم يكن يوم بدر رجلا بل كان طفلا لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكر.
ونقل الجلال السيوطي عن الشيخ ولي الدين هو غير مستقيم فإن الوليد يصغر عن ذلك * (وأقول:) * بعض الأخبار تقتضي أنه لم يكن مولودا يوم بدر أو كان صغيرا جدا، أخرج أبو داود في السنن من طريق ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبد الله الهمداني عنه أنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم فأتى بي إليه عليه الصلاة والسلام وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق إلا أن ابن عبد البر قال: إن أبا موسى مجهول، وأيضا ذكر الزبير. وغيره من أهل العلم بالسير أن أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت مهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة سنة سبع خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها، وهو ظاهر في أنه لم يكن صبيا يوم الفتح إذ من يكون كذلك كيف يكون ممن خرج ليرد أخته قبل الفتح، وبعض الأخبار تقتضي أنه كان رجلا يوم بدر، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحرث بن أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية وكان أسر يوم بدر فافتداه بأربعة آلاف وقال: حكاه أهل المغازي ولم يتعقبه بشيء، وسوق كلامه ظاهر في ارتضائه ووجه اقتضائه ذلك أن ما تعاطاه من أفعال الرجال دون الصبيان، وهذا الذي ذكرناه عن ابن حجر يخالف ما ذكره عنه الخفاجي عليه الرحمة مما مر آنفا، ولا ينبغي أن يقال: يجوز أن يكون صغيرا ذلك اليوم صغرا يمكن معه عادة الحضور فحضر وجرى ما جرى لأن وصفه بالفسق بمعنى الكفر والوعيد عليه بما سمعت في الآيات مع كونه دون البلوغ مما لا يكاد يذهب إليه إلا من يلتزم أن التكليف بالإيمان إذ ذاك كان مشروطا بالتمييز، ولا أن يقال: يجوز أن تكون هذه القصة بعد إسلامه وقد أطلق عليه فاسق وهو مسلم في قوله تعالى: * (يا أيها آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (الحجرات: 6) فقد قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنها نزلت فيه حيث أنه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة ولم يكن الأمر كذلك لأن الفسق ههنا بمعنى الكفر وهناك ليس كذلك، ثم اعلم أن القول بأنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه. والوليد لكلام جرى يوم بدر يقتضي أنها مدنية والمختار عند بعضهم خلافه.
* (ومن أظلم ممن ذكر بااي‍ات ربه ثم أعرض عنهآ إنا من المجرمين منتقمون) *.
* (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) * بيان إجمالي لمن قابل آيات الله تعالى بالإعراض بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد، وكلمة * ( ثم) * لاستبعاد الإعراض عنها عقلا مع غاية وضوحها وإرشادها إلى سعادة الدارين كما في قول جعفر بن علية الحارثي: ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة * يرى غمرات الموت ثم يزورها والمراد أن ذلك أظلم من كل ظالم * (إنا من المجرمين) * قيل: أي من كل من اتصف بالإجرام وكسب الأمور المذمومة وإن لم يكن بهذه المثابة * (منتقمون) * فكيف ممن هو أظلم ممن هو أظلم من كل ظالم وأشد جرما من كل جازم، ففي الجملة إثبات الانتقام منه بطريق برهاني.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»