تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٤١
هذا وتفسير * (يوم الفتح) * بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة فقد قال سبحانه: * (إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة) * ولا يكاد يتسنى على القول بأن المراد به النصر على أولئك القائلين إذا كانوا عانين به النصر والغلبة عليهم في الدنيا كما هو ظاهر مما سمعت عن مجاهد، وعليه قيل: المراد بيوم الفتح يوم بدر، وأخرج ذلك الحاكم وصححه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: يوم فتح مكة، وحكى ذلك عن الحسن. ومجاهد، واستشكل كلا القولين بأن قوله تعالى: * (يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) * (السجدة: 29) ظاهر في عدم قبول الإيمان من الكافر يومئذ مع أنه آمن ناس يوم بدر فقيل منهم وكذا يوم فتح مكة.
وأجيب بأن الموصول على كل منهما عبارة عن المقتولين في ذلك اليوم على الكفر، فمعنى لا ينفعهم إيمانهم انهم لا إيمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله: على لا حب لا يهتدي بمناره سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف قوله تعالى: * (ولا هم ينظرون) * على المقيد أو على المجموع فتأمل.
وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر، وأيضا كون يوم الفتح يوم بدر بعيد عن كون السورة مكية وكذا كونه يوم فتح مكة، ويبعد هذا أيضا قلة المقتولين في ذلك اليوم جدا تدبر.
* ( * (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) *.
* (فأعرض عنهم) * ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الاعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ.
* (وانتظر) * النصرة عليهم وهلاكهم * (إنهم منتظرون) * قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى: * (فتربصوا إنا معكم متربصون) * (التوبة: 52) وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) * (البقرة: 210) الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم إنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاطي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة. وقرأ اليماني * (منتظرون) * بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة عليهم السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة هذا.
ومن باب الإشارة: قوله تعالى: * (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) * (السجدة: 4) فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) * (السجدة: 5) فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عز وجل لا أثر له فطوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى به عن تدبيره * (الذي أحسن كل شيء خلقه) * فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئا من المخلوقات، وقد حكى أن نوحا عليه السلام بصق على كلب اجرب فانطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح اعبتني أم عبت خالقي فناح عليه السلام لذلك زمانا طويلا فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: * (وبدأ خلق الإنسان من طين) * (السجدة: 7) إلى آخر الآية بعد قوله سبحانه: * (الذي أحسن) * الخ إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات والطين بالنسبة إليه كلا شيء * (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»