تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٤٤
مصلحة ولا ينهاك ألا عما فيه مفسدة ولا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة فالجملة تعليل للأمر والنهي مؤكد لوجوب الامتثال بها.
وقيل: المعنى إن الله كان عليما بمن يتقي فيجازيه بما يليق به حكيما في هدى من شاؤوا ضلال من شاء فالجملة تسلية له صلى الله عليه وسلم، وليس بشيء، وقوله تعالى:
* (واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) *.
* (واتبع ما يوحى إليك من ربك) * عطف على ما تقدم من قبيل عطف العام على الخاص أي اتبع في كل ما تأتي وتذر من أمور الدين ما يوحى إليك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى الله تعالى الناهية عن إطاعة الكفرة والمنافقين، والتعرض لعنوان الربوبية لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر * (إن الله كان بما تعملون خبيرا) * قيل: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والجمع للتعظيم، وقال أبو البقاء: إنما جاء بالجمع لأنه عني بقوله تعالى: * (اتبع ما يوحى) * الخ اتبع أنت وأصحابك؛ وقيل: للغائبين من الكفرة المنافقين وبطريق الالتفات. ولا يخفى بعده. نعم يجوز أن يكون للكل على ضرب من التغليب، وأيا ما كان فالجملة تعليل للأمر وتأكيد لموجبه فكأنه قيل على الأول: إن الله تعالى يعلم بما تعمل فيرشدك إلى ما فيه الصلاح فلا بد من اتباع الوحي والعمل بمقتضاه حتما، وعلى الثاني إن الله تعالى خبير بما يعمل الكفرة والمنافقون من الكيد والمكر فيأمرك سبحانه بما يدفعه فلا بد من اتباع ما يوحيه جل وعلا إليك، وعلى الثالث إن الله تعالى خبير بما تعمل ويعمل الكفرة والمنافقون فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك ويطلعك على كيدهم ومكرهم ويأمرك جل شأنه بما يدفع ذلك ويرده فلا بد من اتباع وحيه تعالى والعمل بموجبه. وقرأ أبو عمرو * (يعملون) * بياء الغيبة على أن الضمير للكفرة والمنافقين.
وجوز كونه عاما فلا تغفل.
* (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *.
* (وتوكل على الله) * أي فوض جميع أمورك إليه عز وجل * (وكفى بالله وكيلا) * حافظا موكولا إليه الأمور، والإظهار في مقام الإضمار للتعظيم ولتستقل الجملة استقلال المثل.
* (ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه وما جعل أزواجكم اللائى تظ‍اهرون منهن أمه‍اتكم وما جعل أدعيآءكم أبنآءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل) *.
* (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * أخرج أحمد. والترمذي وحسنه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فنزلت، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا: إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلبا معكم وقلبا مع أصحابه فنزلت، وقال مقاتل في تفسيره. وإسماعيل بن أبي زياد الشامي. وغيرهما: نزلت في أبي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون: له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة، وأبو معمر هذا أشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في الإصابة جميل بن أسيد مصغر الأسد، وقيل: ابن أسد مكبرا وسماه ابن دريد عبد الله بن وهب، وقيل: إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح الجمحي وهو المعنى بقوله: وكيف ثوائى البيت وقد تقدم في تفسير سورة لقمان، والمعول على ما في الإصابة، وحكى أنه كان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»