تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٣٤
كلما أرادوا أن يخرجوا منها فخرجوا من معظمها أعيدوا فيها، ويشير إلى أن الخروج من معظمها قوله تعالى: * (فيها) * دون إليها، أن يكون الكلام هنا عبارة عن خلودهم فيها، وأيا ما كان لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: * (وما هم بخارجين من النار) * * (وقيل لهم) * تشديدا عليهم وزيادة في غيظهم.
* (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به) * أي بعذاب النار * (تكذبون) * على الاستمرار في الدنيا وأظهرت النار مع تقدمها قبل لزيادة التهديد والتخويف وتعظيم الأمر، وذكر ابن الحاجب في أماليه وجها آخر للإظهار وهو أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار فلا يناسب ذلك وضع الضمير إذ ليس القول حينئذ مقدما عليه ذكر النار وإنما ذكرها سبحانه قبل إخبارا عن أحوالهم، ونظر فيه الطيبي عليه الرحمة بأن هذا القول داخل أيضا في حيز الإخبار لعطفه على * (أعيدوا) * الواقع جوابا لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيضا إن لم يقصد زيادة التهديد والتخويف.
ورد بأن المانع أنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغيير ولا إضمار في المحكي لعدم تقدم ذكر النار فيه. وتعقب بأنه قد يناقش فيه بأن مراده أنه يجوز رعاية المحكي والحكاية وكما أن الأصل رعاية المحكي الأصل الإضمار إذا تقدم الذكر فلا بد من مرجح.
وقال بعض المحققين: أراد ابن الحاجب أن الإظهار هو المناسب في هذه الجملة نظرا إلى ذاتها ونظرا إلى سياقها أما الأول: فلأنها تقال من غير تقدم ذكر النار، وأما الثاني: فلأن سياق الآية للتهديد والتخويف وتعظيم الأمر وفي الإظهار جائز وأنه رجح الإظهار اقتضاء السياق لذلك. ونقل عن الراغب ما يدل على أن المقام في هذه الآية مقام الضمير حيث ذكر عنه أنه قال في " درة التنزيل ": إنه تعالى قال ههنا * (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * وقال سبحانه في آية أخرى: * (عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * (سبأ؛ 42) فذكر جل وعلا ههنا وأنث سبحانه هناك والسر في ذلك أن النار ههنا وقعت موقع الضمير والضمير لا يوصف فأجرى الوصف على العذاب المضاف إليها وهو مذكر وفي تلك الآية لم يجر ذكر النار في سياقها فلم تقع النار موقع الضمير فأجرى الوصف عليها وهي مؤنثة دون العذاب فتأمل.
* (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون) *.
* (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) * أي الأقرب، وقيل: الأقل وهو عذاب الدنيا فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه، واختلف في المراد به فروى النسائي. وجماعة وصححه الحاكم عن ابن مسعود أنه سنون أصابتهم، وروي ذلك عن النخعي. ومقاتل، وروى الطبراني. وآخرون وصححه والحاكم عن ابن مسعود أيضا أنه ما أصابهم يوم بدر. وروي نحوه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف نحو يوم بدر، وعن مجاهد القتل والجوع.
وأخرج مسلم. وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند ". وأبو عوانة في صحيحه، وغيرهم عن أبي بن كعب أنه قال: هو مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان، وفي لفظ مسلم أو الدخان. وأخرج ابن المنذر. وابن جرير. عن ابن عباس أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وفي رواية عنه. وعن الضحاك. وابن زيد بلفظ مصائب الدنيا في الأنفس والأموال، وفي معناه ما أخرج ابن مردويه عن أبي إدريس الخولاني قال: سألت عبادة بن الصامت عن قوله تعالى: * (ولنذيقنهم) * الآية فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة والسلام: هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»