تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٥٠
واتباع أهل الكفر والطغيان فكنى عن ذلك بذكر القلبين لأن الاتباع يصدر عن الاعتقاد وهو من أفعال القلوب فكما لا يجمع قلبنان في جوف واحد لا يجمع اعتقادان متضادان في قلب واحد، وقيل: هو متصل بقوله تعالى: * (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * من حيث أنه مشعر بوحدته عز وجل فكأنه قيل: وتوكل على الله وكفى به تعالى وكيلا فإنه سبحانه وتعالى وحده المدبر لأمور العالم، ثم أشار سبحاه وتعالى إلى أن أمر الرجل الواحد لا ينتظم ومعه قلبان فكيف تنتظم أمور العالم وله إلهان، وقيل: إن ذاك مسوق للتنفير عن إطاعة الكفرة والمنافقين بحكاية أباطيلهم، وذكر أن قوله تعالى: * (ما جعل) * الخ ضرب مثلا للظهار والتبني أي كما لا يكو لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أما والمتبني‍ ابنا، وجعل المذكورات الثلاث بجملتها مثلا فيما لا حقيقة له وارتضى ذلك غير واحد، وقال الطيبي: إن هذا أنسب لنظم القرآن لأنه تعالى نسق المنفيات الثلاث عن ترتيب واحد، وجعل سبحانه قوله جل وعلا: * (ذلكم) * فذلكة لها ثم حكم تعالى بأن ذلك قول لا حقيقة له، ثم ذيل سبحانه وتعالى الكل بقوله تعالى: * (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) * (الأحزاب: 4) وتعقبه في " الكشف " بأن سبب النزول وقوله سبحانه بعد التذييل * (ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5) الآية شاهدا صدق بأن الأول مضروب للتبني ثم إنهم ما كانوا يجعلون الأزواج أمهات بل كانوا يجعلون اللفظ طلاقا فإدخاله في قرن مسألة التبني استطرادا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له كالأول.
وانتصر الخفاجي للجماعة فقال: لو كان مثلا للتبني فقط لم يفصل منه، وكون القلبين لرجل وجعل المتبني ابنا في جميع الأحكام مما لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر، وكذا جعل الأزواج كالأمهات في الحرمة المؤبدة مطلقا من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضا فما ادعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفته لما روى عنهم انتهى، ويد الله تعالى مع الجماعة، وبين الطيبي نظم الآيات من مفتتح السورة إلى هنا فقال: إن الاستهلال بقوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) دال على أن الخطاب مشتمل على التبنية على أمر معتنى بشأنه لائح فيه معنى التعييج والإلهاب، ومن ثم عطف عليه * (ولا تطع) * كما يعطف الخاص على العام وأردف النهي بالأمر على نحو قولك لا تطع من يخذلك وابتع ناصرك، ولا يبعد أن يسمى بالطرد والعكس، ثم أمر بالتوكل تشجيعا على مخالفة أعداء الدين والالتجاء إلى حريم جلال الله تعالى ليكفيه شرورهم، ثم عقب سبحانه كلا من تلك الأوامر على سبيل التتميم والتذييل بما يطابقه، وعلل قوله تعالى: * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * بقوله سبحانه وتعالى: * (إن الله كان عليما حكيما) * (الأحزاب: 1) تتميما للارتداع أي اتق الله فيما تأتي وتذر في سرك وعلانيتك لأنه تعالى عليم بالأحوال كلها يجب أن يحذر من سخطه حكيم لا يحب متابعة حبيبه أعداءه، وعلل قوله تعالى: * (واتبع ما يوحى إليك من ربك) * بقوله تعالى: * (إن الله كان بما تعملون خبيرا) * (الأحزاب: 3) تتميما أيضا أي اتبع الحق ولا تتبع أهواءهم الباطلة وآراءهم الرائغة لأن الله تعالى يعلم عملك وعملهم فيكافىء كلاما يستحقه، وذيل سبحانه وتعالى قوله تبارك وتعالى: * (وتوكل على الله) * بقوله تعالى: * (وكفى بالله وكيلا) * (الأحزاب: 3) تقريرا وتوكيدا على منوال فلان ينطق والحق أبلج يعني من حق من يكون كافيا لكل الأمور أن تفوض الأمور إليه وتوكل عليه، وفصل قوله تعالى: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * على سبيل الاستئناف تنبيها على بعض من أباطيلهم وتمحلاتهم، وقوله تعالى: * (ذلكم قولكم) * الخ فذلكة لتلك الأقوال آذنت بأنها جديرة بأن يحكم عليها بالبطلان وحقيق بأن يذم قائلها فضلا عن أن يطاع، ثم وصل تعالى: * (والله يقول الحق) * (الأحزاب: 4) الخ على هذه الفذلكة بجامع التضاد على منوال ما سبق في * (ولا تطع وابتع) * وفضل قوله تعالى: * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) * (الأحزاب: 5) وقوله تعالى: * (النبي) * الخ وهلم جرا إلى آخر السورة تفصيلا لقول الحق والاهتداء إلى
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»