تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٢٨
فيستعمل فيه ما يدل على المضي مجازا كلو وإذ، هذا ومن الغريب قول أبي العباس في الآية: المعنى قل يا محمد للمجرم ولو ترى وقد حكاه عنه أبو حيان ثم قال: رأى أن الجملة معطوفة على * (يتوفاكم) * داخلة تخت * (قل) * السابق ولذا لم يجعل الخطاب فيه للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه فلا تغفل.
* (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ول‍اكن حق القول منى لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) *.
* (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) * مقدر بقول معطوف على مقدر قبل قوله تعالى: * (ربنا أبصرنا) * الخ وهو جواب لقولهم * (ارجعنا) * يفيد أنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لسوء اختيارهم وأنهم ممن لم يشأ الله تعالى إعطاءهم الهدي أي ونقول: لو شئنا أي لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة هداها أي ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح، وفسره بعضهم بنفس الإيمان والعمل الصالح والأول أولى، وأما تفسيره بما سأله الكفرة من الرجوع إلى الدنيا أو بالهداية إلى الجنة فليس بشيء لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء * (ول‍اكن حق القول مني) * أي ثبت وتحقق قولي وسبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله: * (لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * (ص: 82 - 85) وهو المعنى بقوله تعالى: * (لأملأن جهنم من الجنة والنس أجمعين) * كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه في الخطاب لإبليس مقدم وتقديمه هناك لأنه الأوفق لمقام تحقير ذلك المخاطب عليه اللعنة، وقيل: التقديم في الموضعين لأن الجهنميين من الجنة أكثر.
ويعلم مما ذكرنا وجه العدول عن ضمير العظمة في قوله سبحانه: * (ولو شئنا لآتينا) * إلى ضمير الوحدة في قوله جل وعلا: * (ولكن حق القول مني) * وذلك لأن ما ذكر إشارة إلى ما وقع في الرد على اللعين وقد وقع فيه القول ولإملاء مسندين إلى ضمير الوحدة ليكون الكلام على طرز * (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك) * في توحيد الضمير، وقد يقال: ضمير العظمة أوفق بالكثرة الدال عليها * (كل نفس) * والضمير الآخر أوفق بما دون تلك الكثرة الدال عليه * (من الجنة) * والناس أو يقال: إنه وحد الضمير في الوعيد لما أن المعنى به المشركون فكأنه أخرج الكلام على وجه لا يتوهم فهي متوهم نوعا من أنواع الشركة أصلا أو أخرج على وجه يلوح بما عدلوا عنه من التوحيد إلى ما ارتكبوه مما أوجب لهم الوعيد من الشرك، أو يقال: وحد الضمير في * (لأملأن) * لأن الإملاء لا تعدد فيه فتوحيد الضمير أوفق به ويقال نظير ذلك في * (حق القول مني) * والإيتاء يتعدد بتعدد المؤتى فضمير العظمة أوفق به ويقال نظيره في * (شئنا) * فتدبر، ولا يلزم من قوله تعالى: * (أجمعين) * دخول جميع الجن والإنس فيها، وأما قوله تعالى: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 71) فالورود فيه غير الدخول، وقد مر الكلام في ذلك لأن * (أجمعين) * تفيد عموم الأنواع لا الأفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعا كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعا كذا قيل، ورد بأنه لو قصد ما ذكر لكان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كليهما، واستظهر أنها لعموم الأفراد والتعريف في * (الجنة) * للعهد والمراد عصاتها ويؤيده الآية المتضمنة خطاب إبليس، وحاصل الآية لو شئنا إيتاء كل نفس هداها لآتيناها إياه لكن تحقق القول مني لأملأن جهنم الخ فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم إلى الغي بإغوائه ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلال لم نشأ إعطاءه لكم وإنما أعطيناه الذين اختاروه من البررة وهم المعنيون بما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: * (إنما يؤمن بآياتنا) * (السجدة: 15) الآية
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»