تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٩
لا يحتاج على ما حققه النحاة إلى جميع ذلك، وجملة * (على من تنزل) * الخ في موضع نصب بأنبئكم لأنه معلق بالاستفهام وهي إما سادة مسد المفعول الثاني أن قدرت الفعل متعديا لاثنين ومسد مفعولين إن قدرته متعديا لثلاثة، والمراد هل أعلمكم جواب هذا الاستفهام - أعني على من تنزل الشياطين - وأصل تنزل تتنزل فحذفت أحدى التاءين. والكلام على معنى القول عند أبي حيان كأنه قيل: قل يا محمد هل أنبئكم على من تنزل الشياطين.
* (تنزل على كل أفاك أثيم) * * (تنزل على كل أفاك) * أي كثير الافك وهو الكذب * (أثيم) * كثير الاثم، و * (كل) * للتكثير وجوز أن تكون للإحاطة ولا بعد في تنزلها على كل كامل في الإفك والإثم كالكهنة نحو شق بن رهم بن نذير. وسطيح بن ربيعة بن عدى. والمراد بواسطة التخصيص في مرعض البيان أو السياق أو مفهوم املخالفة عند القائل به قصر تنزلهم على كل من اتصف بما ذكر من الصفات وتخصيص له بهم لا يتخطاهم إلى غيرهم وحيث كانت ساحة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزهة عن أن يحوم حولها شائبة شيء من تلك الأوصاف اتضح استحالة تنزلهم عليه عليه الصلاة والسلام * (يلقون) * أي الأفاكون.
* (يلقون السمع وأكثرهم ك‍اذبون) * * (السمع) * أي سمعهم إلى الشياطين، والقاء السمع مجاز عن شدة الاصغاء للتلقي فكأنه قيل: يضغون أشد إصغاء إلى الشياطين فيتلقون منهم ما يتلقون * (وأكثرهم) * أي الأفاكين * (كاذبون) * فيما يقولونه من الأقاويل، والأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون في أقوالهم وإنما هم في أكثرها كاذبون ومآله وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين على الاطلاق ويلتزم لذلك كون الأكثر بمعنى الكل.
وليس معنى الأفك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرا في بعض الأحايين، وجوز أن يكون السمع بمعنى المسموع والقاؤه مجاز عن ذكره أن يلقى الأفاكون إلى الناس المسموع من الشياطين وأكثرهم كاذبون فيما يحكون عن الشياطين ولم يرتضه بعضهم لبعده أو لقلة جداوه على ما قيل. واختلف في سبب كون أكثر أقوالهم كاذبة فقيل: هو بعد البعثة كونهم يتلقون منهم ظنونا وإمارات إذ ليس لهم من علم الغيب نصيب وهم محجوبون عن خبر السماء ولعدم صفاء نفوسهم قلما تصدق ظنونهم ومع ذلك يضم الأفاكون إليها لعدم وفائها بمرادهم على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها الواقع، وقبل البعثة إذ كانوا غير محجوبين عن خبر السماء وكانوا يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه من الأخبار الغيبية يحتمل أن يكون كثرة غلط الأفاكين في الفهم لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضمنهم إلى ما يفهمونه من الحق أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون كثرة غلط الشياطين الذين يوحون إليهم في الفهم عن الملائكة عليهم السلام لقصور فهمهم عنهم، ويحتمل أن يكون ضم الشياطين إلى ما يفهمونه من الحق من الملائكة عليهم السلام أشياء من عند أنفسهم لا يطابق أكثرها الواقع، ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر. وقيل: هو قبل البعثة يحتمل أن يكون أحد هذه الأمور وأما بعد البعثة فهو كثرة خلطهم الكذب فيما تحطفه الشياطين عند استراقهم السمه من الملائكة ويلقونه إليهم.
فقد أخرج البخاري. ومسلم. وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " سأل النبي صلى الله عليه وسلمعن الكهان فقال: إنهم ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا قال تلك
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»