خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص ولا يبعد بعد انقطاع خبر السماء عن السياطين بالرجم أن يجعل لبعض النفوس الإنسانية خاصية التكلم بما يصدق كلا أو بعضا مع اطلاع وكشف يفيد العلم بما أخبر به أو بدون ذلك بأن ينطقه سبحانه بشيء فيتكلم به من غير علم بالمخبر به ويوافق الواقع.
وقد اتفق لي ذلك وعمري نحو خمسن سنين وذلك أني رجعت من الكتاب إلى البيت وشرعت ألعب فيه على عادة الأطفال فنهتني والدتي رحمها الله تعالى عن ذلك وأمرتني بالنوم لاستيقظ صباحا فاذهب إلى الكتاب فقلت لها: غدا يقتل الوزير ولا أذهب إلى الكتاب وهو مما لا يكاد يمر بفكر فلم تلتفت إلى ذلك وأنا متني فلما أصبحت تأهبت للذهاب فجاء ابن أخت لها وأسر إليها كلاما لم أسمعه فتغير حالها ومنعتي عن الذهاب ولا أدري لم ذلك فأردت الخروج إلى الدرب لألعب مع أمثالي فمنعتني أيضا فقعدت وهي مضطربة البال تطلب أحدا يخبرها عن حال والدي عليه الرحمة حيث ذهب قبيل طلوع الشمس إلى المدرسة فخرجت إلى الدرب على حين غفلت منها فوجدت الناس بين راكض ومسرع يتحدثون بأن الوزير قتله بعض خدمه وهو في صلاة الفجر فرجعت إليها مسرعا مسرورا بصدق كلامي وكنت قد أنسيته ولم يخطر ببالي حتى سمعت الناس يتحدثون بذلك. وفي " اليواقيت والجواهر " للشعراني عليه الرحمة في بحث الفرقة بين المعجزة والكهانة أن الكهانة كلمات تجري على لسان الكاهن ربما توافق وربما تخالف وفيه شمة مما ذكرنا هذا والله تعالى أعلم.
والظاهر على ما قيل أن قوله تعالى: * (هل أنبئكم) * الخ كلام مسوق منه تعالى لبيان تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون وحاشاه ممن تنزل عليه الشياطين وإبطال لقولهم في القرآن إنه من قبيل ما يلقى إلى الكهنة، وفي " البحر " ما هو ظاهر في أنه على معنى القول أي قل يا محمد هل أنبئكم الخ وهو مسوق للتنزيه والإبطال المذكورين [بم وقوله تعالى:
* (والشعرآء يتبعهم الغاوون) * * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * مسوق لتنزيهه عليه الصلاة والسلام أيضا عن أن يكون وحاشاه من الشعراء وإبطال زعم الكفرة أن القرآن من قبيل الشعر. والمتبادر منه الكلام المنظوم المقفى ولذلك قال كثير من المفسرين: إنهم رموه عليه الصلاة والسلام بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن مما يكون موزونا بأدنى تصرف كقوله تعالى: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) * (الإسراء: 33) ويكون بهذا الاعتبار شطرا من الطويل وكقوله سبحانه: * (إن قارون كان من قوم موسى) * (القصص: 76) ويكون من المديد، وكقوله عز وجل: * (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) * (الأحقاف: 25) ويكون من البسيط، وقوله تبارك وتعالى: * (ألا بعدا لعاد قوم هود) * (هود: 60) ويكون من الوافر، وقوله جل وعلا: * (صلوا عليه وسلموا تسليما) * (الأحزاب: 56) ويكون من الكامل إلى غير ذلك مما استخرجوه منه من سائر البحور، وقد استخرجوا منه ما يشبه البيت التام كقوله تعالى: * (ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) * (التوبة: 14).
وتعقب ذلك بأنهم لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به صلى الله عليه وسلم إذ لا يخفى على الأغبياء من العجم فضلا عن بلغاء العرب أن القرآن الذي جاء به صلى الله عليه وسلم ليس على أساليب الشعر وهم ما قالوا فيه عليه الصلاة والسلام شاعر إلا لما جاءهم بالقرآن واستخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم. ولو اعتبر في كون الكلام شعرا إمكان استخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم. وول اعتبر في كون الكلام شعرا إمكان استخراج كلام منظوم منه لكان كثير من الأطفال شعراء فإن كثيرا