تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٨
أن الإكران عند إرادة التحصن ولا مفهوم في مثله، وثانيا: أن المفهوم اقتضى ذلك وقد انتفى لمعارض أقوى منه وهو الإجماع، وقد يجاب عنه بأنه يدل على عدم الحرمة عند عدم الإرادة وأنه ثابت إذ لا يمكن الإكراه حينئذ لأنهن إذ لم يردن التحصن لم يكرهن البغاء والإكراه إنما هو إلزام فعل مكروه وإذا لم يمكن لم يتعلق به التحريم لأن شرط التكليف الإمكان ولا يلزم من عدم التحريم الإباحة انتهى، ولعل ما ذكرناه أولا هو الأولى، وجعل غير واحد زيادة التقبيح والتشنيع جوابا مستقلا بتغيير يسير ولا بأس به.
وزعم بعضهم أن * (إن أردن) * راجع إلى قوله تعالى: * (وانكحوا الأيامى منكم) * وهو مما يقضي منه العجب وبالجملة لا حجة في ذلك لمبطلي القول بالمفهوم كذا لا حجة لهم في قوله تعالى: * (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) * فإنه كما في إرشاد العقل السليم قيد للإكراه لا باعتبار أنه مدار للنهي عنه بل باعتبار أنه المعتاد فيما بينهم أيضا جىء به تشنيعا لهم فيما هم عليه من احتمال الوزر الكبير لأجل النزر الحقير أي لا تفعلوا ما أنتم عليه من إكراههن على البغاء لطلب المتاع السريع الزوال الوشيك الاضمحلال، فالمراد بالابتغاء الطلب المقارن لنيل المطلوب واستيفائه بالفعل إذ هو الصالح لكونه غاية للإكراه مترتبا عليه لا المطلق المتناول للطلب السابق الباعث عليه ولا اختصاص لعرض الحياة الدنيا بكسبهن أعني أجورهن التي يأخذنها على الزنا بهن وإن كان ظاهر كثير من الأخبار يقتضي ذلك بل ما يعمه وأولادهن من الزنا وبذلك فسره سعيد بن جبير كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وفي بعض الأخبار ما يشعر بأنهم كانوا يكرهونهن على ذلك للأولاد.
أخرج الطبراني. والبزار. وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس أن جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية فولدت له أولادا من الزنا فلما حرم الله تعالى الزنا قال لها: مالك لا تزنين؟ قالت: والله لا أزني أبدا فضربها فأنزل الله تعالى: * (ولا تكرهوا) * الآية، ولا يقتضي هذا وأمثاله تخصيص العرض بالأولاد كما لا يخفى.
وسمعت أن بعض قبائل أعراب العراق كآل عزة يأمرون جواريهم بالزنا للأولاد كفعل الجاهلية ولا يستغرب ذلك من الأعراب لا سيما في مثل هذه الأعصار التي عرا فيها كثيرا من رياض الأحكام الشرعية في كثير من المواضع أعصار فإنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله تعالى: * (ومن يكرههن) * إلى آخره جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهي وتأكيد وجوب العمل ببيان خلاص المكرهات من عقوبة المكره عليه عبارة ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة أي ومن يكرههن على ما ذكر من البغاء: * (فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * لهن كما في قراءة ابن مسعود وقد أخرجها عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عنه لكن بتقديم * (لهن) * على * (غفور رحيم) * ورويت كذلك أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وينبىء عنه على ما قيل قوله تعالى: * (من بعد إكراههن) * أي كونهن مكرهات على أن الإكراه مصدر المبني للمفعول فإن توسيطه بين اسم إن وخبرها للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة.
وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وغيرهما عن مجاهد أنه قال: غفور رحيم لهن وليست لهم، وكان الحسن إذا قرأ الآية يقول: لهن والله لهن، وفي تخصيص ذلك بهن وتعيين مداره على ما سمعت مع سبق ذكر المكرهين
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»