تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٩
مفروض من الأحوال المقارنة له إجمالا بإدخالها على أبعدها منه، والواو الداخلة عليها لعطف الجملة المذكورة على جملة محذوفة مقابلة لها عند الجزولي ومن وافقه، ومجموع الجملتين في حيز النصب على الحالية من المستكن في الفعل الموجب أو المنفي، وتقدير الآية الكريمة * (يكاد زيتها يضىء لو مسته نار ولو لم تمسسه نار) * أي يضىء كائنا على كل حال من وجود شرط الإضاءة وعدمه، وحذفت الجملة الأولى حسبما هو المطرد في الباب ثقة بدلالة الثانية عليها دلالة واضحة.
وقال الزمخشري: الواو للحال ومقتضاه أن * (لو) * مع ما بعدها حال فالتقدير والحال لو كان أو لو لم يكن كذا أي مفروضا ثبوته أو انتفاؤه، لكن الزمخشري ومثله المرزوقي يقدر ولو كان الحال كذا. وتعقب ذلك بأن أدوات الشرط لا تصلح للحالية لأنها تقتضي عدم التحقق والحال يقتضي خلافه، والتزم لذلك أنه انسلخ عنها الشرطية وأنها مؤولة بالحال كما أن الحال تكون في معنى الشرط نحو لأفعلنه كائنا ما كان أي إن كان هذا أو غيره ولذا لا تحتاج إلى الجزاء أصلاف، وإنما قدر الحال بعد لو على ما قيل: إشارة إلى أنه قصد إلى جعل الجملة حالا قبل دخول الشرط المنافي له ثم دخلت * (لو) * تنبيها على أنها حال غير محققة؛ واعترض الرضي القول بأنها عاطفة بأنه لو كان كذلك لوقع التصريح بالمعطوف عليه في الاستعمال وليس كذلك وذهب إلى أنها اعتراضية.
ويجوز الاعتراض في آخر الكلام والمقصود منه التأكي. وأجيب عن اعتراضه بأن ظهور ترتب الجزاء على المعطوف عليه أغنى عن ذكره حتى كان ذكره تكرارا، وبالجملة الذي عطف عليه الأكثرون وارتضوه كونها عاطفة، وبجعل مجموع الجملتين في موضع الحال على ما سمعت يندفع ما يتوهم من أن كاد تنافي اعتبار العطف هنا فتأمل، وقرأ ابن عباس. والحسن * (يمسسه) * بالياء التحتية وحسنه الفصل وكون الفاعل غير حقيقي التأنيث * (نور على نور) * أي هو نور عظيم كائن على نور على أن يكون * (نور) * خبر مبتدأ محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة له مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة، والجملة فذلكة للتمثيل وتصريح بما حصل منه وتمهيد لما يعقبه فالمراد من الضمير النور الذي مثلت صفته العظيمة الشأن بما سمعت لا النور المشبه به وحمله عليه لا يليق كما قيل بشأن التنزيل الجليل، وليس معنى كونه نورا فوق نور أنه نور واحد معين أو غير معين فوق نور آخر مثله ولا أنه مجموع نورين اثنين فقط بل إنه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه بحد معين وتحديد مراتب تضاعف ما مثل به من نور المشكاة بما ذكر لكونه أقصى مراتب تضاعفه عادة فإن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره بسبب انضمام الشعاع المنعكس منه إلى أصل الشعاع بخلاف المكان المتسع فإن الضوء ينبث فيه وينتشر والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة وكذلك الزيت وصفاؤه وليس وراء هذه المراتب مما يزيد نورها إشراقا ويمده بإضاءة مرتبة أخرى عادة.
والظاهر عندي أن التشبيه الذي تضمنته الآية الكريمة من تشبيه المعقول وهو نوره تعالى بمعنى أدلته سبحانه لكن من حيث أنها أدلة أو القرآن أو التوحيد والشرائع وما دل عليه بدليل السمع والعقل أو الهدى أو نحو ذلك بالمحسوس وهو نور المشكاة المبالغ في نفعته وأنه ليس في المشبه به أجزاء ينتزع منها الشبه ليبنى عليه أنه مركب أو مفرق، وذكر أنه إذا كان المراد تشبيه النور بمعنى الهدى الذي دلت عليه الآيات المبينات
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»