تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٣
بمقابلة البدل من جهة المولى لا يتصور تحققه وتحصله إلا بالتزام البدل من طرق العبد كما أن عقد البيع الذي هو تمليك المبيع بالثمن من جهة البائع لا يمكن تحققه إلا بتملكه به من جانب المشترى لم يكن بد من تضمين أحدهما الآخر وقت الإنشاء فكما أن قول البائع بعت إنشاء لعقد البيع على معنى أنه إيقاع لما يتم من قبله أصالة ولما يتم من قبل المشتري ضمنا إيقاعا متوقفا على رأيه توقفا شبيها بتوقف عقد الفضولي كذلك قول المولى كاتبتك على كذا إنشاء لعقد الكتابة أي إيقاع لما يتم من قبله من التزام العتق بمقابلة البدل أصالة ولما يتم من قبل العبد من التزام البدل ضمنا إيقاعا متوقفا على قبوله فإذا قبل تم العقد اه‍ وبه ينحل إشكال صعب وارد على إسناد أفعال العقود وهو أنه إذا كان ركن كل منها الإيجاب والقبول يلزم أن لا يصح نحو بعت كذا بكذا مثلا لأن المتكلم به لم يوقع إلا ما يتم من قبله وليس ذلك بيعا شرعيا إذ لا بد في البيع الشرعي من فعل آخر أعني قبول المشتري وهو مما لم يوقعه المتكلم المذكور.
والحاصل أن إسناد باع إلى ضمير المتكلم يقتضي أنه أوقع البيع مع أنه لم يوقع إلا أحد ركنيه فكيف يصح الإسناد، ووجه انحلال هذا بما ذكر ظاهر إلا أنه أورد عليه أن فيه دعوى يكذبها وجدان كل عاقد عاقل ألا ترى أنك إذا قلت بعث مثلا لا يخطر ببالك إيقاع ضمني منك لشراء غيرك إيقاعا متوقفا على رأيه أصلا بل قصارى ما يخطر بالبال إيقاعه الشراء دون إيقاعك لشرائه على نحو فعل الفضولي ومن ادعى ذلك فقد كابر وجدانه. وأجيب بأن الأمور الضمنية قد تعتبر شرعا وإن لم تقصد كما يرشد إلى ذلك أنهم اعتبروا في قول القائل لآخر: أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه البيع الضمني بركنيه وإن لم يكن القائل خاطرا بباله ذلك وقاصدا له.
وبحث فيه بأنهم إنما اعتبروا أولا العتق الذي هو مدلول اللفظ والمقصود منه ترجيحا لجانب الحرية ثم لما رأوا أن ذلك موقوف على الملك الموقوف على البيع حسب العادة الغالبة اعتبروا البيع ليتم لهم الاعتبار الأول ولم يعتبروه مدلولا للفظ العتق أصلا ليشترط القصد وأن أوهمه تسميتهم إياه بيعا ضمنيا بخلاف ما نحن فيه على ما سمعت فإن إيقاع القبول قد توقف عليه ماهية البيع الشرعي واعتبر مدلولا ضمنيا له بحيث صار عندهم كما يقتضيه ظاهر كلام الإرشاد نحو بعت بمعنى أوقعت إيجابا مني أصالة وقبولا منك نيابة وظاهر في مثل ذلك تحقق القصد وحيث نفى بالوجدان قصد إيقاع القبول نيابة علم أنه ليس مدلولا ضمنيا.
ومن الناس من تقصى عن الإشكال بالتزام أن البيع هو الإيجاب والقبول شرط صحته فقول القائل بعت إنشاء لبيع يحتمل الصحة وعدمها ومتى قال الآخر اشتريت تعينت الصحة وأن قولهم ركن البيع الإيجاب والقبول من المسامحات الشائعة أو بالتزام أن للبيع ونحوه إطلاقين، أحدهما: العقد الحاصل من مجموع الإيجاب والقبول كما في نحو قولك: وقع البيع بين زيد وعمرو وثانيهما: الإيجاب فقط كما في نحو قولك بعته كذا فلم يشتر والبيع الدال عليه بعت الإنشائي من هذا القبيل فلا إشكال في إسناده إلى المتكلم فتأمل وتدبر.
وفي هذا المقام أبحاث تركناها خوفا من مزيد البعد عما نحن بصدده والله تعالى الموفق، و * (الذين) * يحتمل أن يكون في محل رفع على الابتداء والخبر قوله تعالى: * (فكاتبوهم) * وهو بتقدير القول بناءا على المشهور من أن الجملة الإنشائية لا تقع خبرا عن المبتدأ إلا كذلك، وقال بعض المحققين: لا حاجة في مثل هذا إلى التأويل لأنه في معنى الشرط والجزاء ولذا جىء في الخبر بالفاء.
ويحتمل أن يكون في محل نصب على أنه مفعول لمحذوف يفسره المذكور والفاء فيه لتضمن الشرط أيضا؛ وفي " البحر " يجوز أن تقول: زيدا فاضرب وزيدا اضرب فإذا دخلت الفاء كان التقدير تنبه فاضرب فالفاء في جواب أمر محذوف اه‍. وأنت تعلم أنه لا يحتاج إلى هذا في الآية، وذكر بعض الأفاضل أن الفاء فيها على الاحتمال الثاني لأن حق المفسر أن يعقب المفسر، والمراد كتابة بعد كتابة فإن في الموالي كثرة
(١٥٣)
مفاتيح البحث: البيع (12)، الجواز (1)، العتق (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»