تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٣
أشياء متضادة لكن بما هي ماهيات لا بما هي موجودات مع أن الوجود والماهية واحد، وأما الوجه الثالث: فسبيل دفعه سهل بما بين وكذا الوجه الرابع بأدنى أعمال روية فإن عدم ظهور اللون قد يكون لضعف اللمعان الواقع على شيء وقد يكون لشدة اللمعان فالواقع على المقابل من عكس المضيء الملون قد يكون ضوءه فقط وذلك عن قصور الضوء واللون أو قصور استعداد القابل المقابل وقد يكون كلاهما لقوتهما وقوة استعداد المنعكس إليه، على أن الكلام في مباحث العكوس طويل، وكون المنعكس من الجسم المضيء إلى جسم آخر ضوءه دون لونه ربما كان لأجل صقالته فإن الصقيل قد يكون ذا لون وضوء لكن المنعكس منه إلى مقابله ليس إلا ما حصل من نير آخر بتوسطه على نسبة وضعية مخصوصة بنيهما له إليهما لا اللون والضوء اللذان يستقران فيه فالمنعكس في ذلك المقابل ليس إلا الضوء فقط من ذلك النير لا من المنعكس منه إلا أن يكون المنعكس إليه أيضا جسما صقيلا فيقع فيه حكاية منهما أي الضوء واللولن أو من أحدهما أيضا.
هذا غاية ما قالوه في النور المحسوس الذي يظهر به الأجسام على الأبصار؛ ولهم في النور إطلاق آخر وهو الظاهر بذاته والمظهر لغيره وقالوا: هو بهذا المعنى مساو للوجود بل نفسه فيكون حقيقة بسيطة كالوجود منقسما كانقسامه، فمنه نور واجب لذاته قاهر على ما سواه، ومنه أنوار عقلية. ونفسية. وجسمية، والواجب تعالى نور الأنوار غير متناهى الشدة وما سواه سبحانه أنوار متناهية الشدة بمعنى أن فوقها ما هو أشد منها وإن كان بعضها كالأنوار العقلية لا تقف آثارها عند حد، والكل من لمعات نوره عز وجل حتى الأجسام الكثيفة فإنها أيضا من حيث الوجود لا تخلو عن نور لكنه مشوب بظلمات الاعدام والامكانات، إذا علمت هذا فاعلم أن إطلاق النور على الله سبحانه وتعالى بالمعنى اللغوي والحكمي السابق غير صحيح لكمال تنزهه جل وعلا عن الجسمية والكيفية ولوازمهما، وإطلاقه عليه سبحانه بالمعنى المذكور وهو الظاهر بذاته والمظهر لغيره قد جوزه جماعة منهم حجة الإسلام الغزالي فإنه قدس سره بعد أن ذكر في رسالته مشكاة الأنوار معنى النور ومراتبه قال: إذا عرفت أن النور يرجع إلى الظهور والإظهار فاعلم أن لا ظلمة أشد من كتم العدم لأن المظلم سمي مظلما لأنه ليس بظاهر للأبصار مع أنه موجود في نفسه فما ليس موجودا أصلا كيف لا يستحق أن يكون هو الغاية في الظلمة.
وفي مقابلته الوجود وهو النور فإن الشيء ما لم يظهر في ذاته لا يظهر لغيره، والوجود ينقسم إلى ما للشيء من ذاته وإلى ماله من غيره، فماله الوجود من غيره فوجوده مستعار لا قوام له بنفسه بل إذا اعتبر ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض وإنما هو وجود من حيث نسبته إلى غيره وذلك ليس بوجود حقيقي، فالوجود الحق هو الله تعالى كما أن النور الحق هو الله عز وجل، وقد قال قبل هذا: أقول ولا أبالي إن إطلاق اسم النور على غير النور الأول مجاز محض إذ كل ما سواه سبحانه إذا اعتبر ذاته فهو في ذاته من حيث ذاته لا نور له بل نورانيته مستعارة من غيره ولا قوام لنورانيته المستعارة بنفسها بل بغيرها ونسبة المستعار إلى المستعير مجاز محض، وفسر النور في هذه الآية أعني قوله تعالى: * (الله نور السموات والأرض) * بذلك، ثم أشار إلى وجه الإضافة إلى * (السماوات والأرض) * بقوله: لا ينبغي أن يخفى عليك ذلك بعد أن عرفت أنه تعالى هو النور ولا نور سواه وإيه كل الأنوار والنور الكلي لأن النور عبارة عما تنكشف به الأشياء وأعلى منه ما تنكشف به وله ومنه وليس فوقه
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»