تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٩
أيضا في الشرطية دلالة على كونهم محرومين من المغفرة والرحمة بالكلية كأنه قيل: لا لهم أو لا له ولظهور هذا التقدير اكتفى به عن العائد إلى اسم الشرط اللازم في الجملة الشرطية على الأصح كما في " المغني "، وقيل: في توجيه أمر العائد: إن * (إكراههن) * مصدر مضاف إلى المفعول وفاعل المصدر ضمير محذوف عائد على اسم الشرط والمحذوف كالملفوظ والتقدير من بعد إكراههم إياهن. ورده أبو حيان بأنهم لم يعدوا في الروابط الفاعل المحذوف للمصدر في نحو هند عجبت من ضرب زيد وإن كان المعنى من ضربها زيدا فلم يجوزوا هذا التركيب ولا فرق بينه وبين ما نحن فيه، وقيل: جواب الشرط محذوف والمذكور تعليل لماي فهم من ذلك المحذوف والتقدير ومن يكرههن فعليه وبال إكراههن لا يتعدى إليهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهن، وفيه عدول عن الظاهر وارتكاب مزيد إضمار بلا ضرورة، وكون ذلك لتسبب الجزاء على الشرط ليس بشيء.
وقال في " البحر ": الصحيح أن التقدير * (غفور رحيم) * لهم ليكون في جواب الشرط ضمير يعود على اسم الشرط المخبر عنه بجملة الجواب ويكون ذلك مشروطا بالتوبة، وفيه إخلال بجزالة النظم الجليل وتهوين لأمر النهي في مقام التهويل وأمر الربط لا يتوقف على ذلك، ومثله ما قيل: إن التقدير لهما فالوجه ما تقدم، والجار والمجرور في قراءة من سمعت قال ابن جني: متعلق بغفور لأنه أدنى إليه ولأن فعولا أقعد في التعدي من فعيل، ويجوز أن يتعلق برحيم لأجل حرف الجر إذا قدر خبرا بعد خبر، ولم يقدر صفة لغفور لامتناع تقدم الصفة على موصوفها والمعمول إنما يصح وقوعه حيث يقع عامله وليس الخبر كذلك، وأيضا يحسن في الخبر لأن رتبة الرحمة أعلى من رتبة المغفرة لأن المغفرة مسببة عنها فكأنها متقدمة معنى وإن تأخرت لفظا والمعنى على تعلقه بهما كما لا يخفى، وتعليق المغفرة لهن مع كونهن مكرهات لا إثم لهن بناء على أن المكره غير مكلف ولا إثم بدون تكليف، وتفصيل المسألة في الأصول قيل: لشدة المعاقبة على المكره لأن المكرهة مع قيام العذر إذا كانت بصدد المعاقبة حتى احتاجت إلى المغفرة فما حال المكره وللدلالة على أن حد الإكراه الشرعي والمصابرة إلى أن ينتهي إليه فيرتكب ضيق والله تعالى يغفر ذلك بلطفه. وقيل: لغاية تهويل أمر الزنا وحث المكرهات على التشبث في التجافي عنه أو لاعتبار أنهن وإن كن مكرهات لا يخلون في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة بحكم الجبلة البشرية.
* (ولقد أنزلنآ إليكم ءاي‍ات مبين‍ات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين) *.
* (ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبينات) * كلام مستأنف جىء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شؤونها المستوجبة للإقبال الكلي على العمل بمضمونها، وصدر بالقسم المعربة عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه أي وبالله لقد أنزلنا إليكم في هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما لكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادىء بيانها على أن * (مبينات) * من بين المتعدي والمفعول محذوف وإسناد التبيين إلى الآيات مجازي أو آيات واضحات صدقتها الكتب القديمة والعقول السليمة على أنها من بين بمعنى تبين اللازم أي آيات تبين كونها آيات من الله تعالى، ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين. وقرأ الحرميان. وأبو عمرو. وأبو بكر * (مبينات) * على صيغة المفعول أي آيات بينها الله تعالى وجعلها واضحة الدلالة على الأحكام والحدود وغيرها، وجوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»