وكذا في المكاتبين فليس الأمر به للمولى بالنسبة إلى مكاتب واحد اه. وهو يشبه الرطانة بالأعجمية.
والأمر للندب على الصحيح، وقيل هو للوجوب وهو مذهب عطاء. وعمرو بن دينار. والضحاك. وابن سيرين. وداود، وما أخرجه عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير عن أنس بن مالك قال: سألني سيرين المكاتبة فأبيت عليه فأتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأقبل علي بالدرة وتلا قوله تعالى: * (فكاتبوهم) * الخ وفي رواية كاتبه أو لأضربنك بالدرة ظاهر في القول بالوجوب، وجمهور الأئمة كمالك. والشافعي، وغيرهما على أن المكاتبة بعد الطلب وتحقق الشرط الآتي إن شاء الله تعالى مندوبة بيد أن من قال منهم بأن ظاهر الأمر للوجوب كالشافعي لم يقل بظاهره هنا لأنه بعد الحظر وهو بيع ماله بماله للإباحة، وادعى أن ندبها من دليل آخر، وظاهر الآية جواز الكتابة سواء كان البدل حالا أو مؤجلا أو منجما أو غير منجم لمكان الإطلاق وإلى ذلك ذهب الحنفية.
وذهب جمهور الشافعية إلى إنه يشترط أن يكون منجما بنجمين فأكثر فلا تجوز بدون أجل وتنجيم مطلقا، وقيل إن ملك السيد بعض العبد وباقيه حر لم يشترط أجل وتنجيم، ورده محققوهم وأجابوا عن دعوى إطلاق الآية بأن الكتابة تشعر بالتنجيم فتغني عن التقييد لأنه يكتب أنه يعتق إذا أدى ما عليه ومثله لا يكون في الحال. واعترضوا أيضا على القول بصحة الكتابة الحالة بأن الكتابة لو عقدت حالة توجهت المطالبة عليه في الحال وليس له مال يؤديه فيه فيعجز عن الأداء فيرد إلى الرق فلا يحصل مقصود العقد، وهذا كما لو أسلم فيما لا يوجد عند حلول الأجل فإنه لا يجوز. وأنت تعلم ما في دعوى إشعار الكتابة بالتنجيم وأنها تضر الشافعية لأن التنجيم الذي تشعر به الكتابة على زعمهم يتحقق بنجم واحد فيقتضي أن تجوز به كما ذهب إليه أكثر العلماء وهم لا يجوزون ذلك ويشترطون نجمين فأكثر. وما ذكروه في الاعتراض ليس بشيء فإنه لا عجز مع أمر المسلمين بإعانته بالصدقة والهبة والقرض، والقياس على السلم لا يصح لظهور الفارق، ولعل ما ذكر كالبيع لمن لا يملك الثمن ولا شك في صحته كذا قيل وفيه بحث.
وقال ابن خويزمنداد: إذا كانت الكتابة على مال معجل كانت عتقا على مال ولم تكن كتابة، والفرق بين العتق على مال والكتابة مذكور في موضعه * (إن علمتم فيهم خيرا) * أي أمانة وقدرة على الكسب، وبهما الخير فسره الشافعي. وذكر البيضاوي أنه روى هذا التفسير مرفوعا وجاء نحو ذلك في بعض الروايات عن ابن عباس، وفسرت الأمانة بعدم تضييع المال، قيل ويحتمل أن يكون المراد بها العدالة لكن يشترط على هذا الاستحباب المكاتبة أن لا يكون العبد معروفا بإنفاق ما بيده بالطاعة لأن مثل هذا لا يرجى له عتق بالكتابة. وأخرج أبو داود في المراسيل. والبيهقي في سننه عن يحيى بن أبي كثير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * إن علمتم فيهم حرفة، وظاهره الاكتفاء بالقدرة على الكسب وعدم اشتراط الأمانة، وهو قول نقله ابن حجر عن بعضهم، وتعقبه بأن المكاتب إذا لم يكن أمينا يضيع ما كسبه فلا يحصل المقصود.
وأخرج عبد بن حميد عن عبيدة السلماني. وقتادة. وإبراهيم. وأبي صالح أنهم فسروا الخير بالأمانة