تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٦١
النور يقع على الجسم في كل جهة كانت له، والثاني: أنه إذا دخل من كوة ثم سددناها دفعة فتلك الأجزاء النورانية إما أن تكون باقية في البيت فيلزم أن يكون البيت مستنيرا كما كان قبل السد وليس كذلك وإما أن تكون خارجة من الكوة قبل انسدادها وهو محال لأن السد كان سبب انقطاعها فلا بد أن يكون سابقا عليه بالذات أو بالزمان وإما أن تكون غير باقية أصلا فيلزم أن يكون تخلخل جسم بين جسمين موجبا انعدام أحدهما وهو معلوم الفساد، والثالث: أن كون تلك الأجسام الصغار أنوارا إما أن يكون هو عين كونها أجساما وهو باطل لأن المفهوم من النورية مغاير للمفهوم من الجسمية وإما أن يكون مغايرا لها بأن تكون تلك الأجسام حاملة لتلك الكيفية منفصلة من المضيء متصلة بالمستضيء فإن لم تكن تلك الأجسام محسوسة فهو ظاهر البطلان لأنها حينئذ كيف تكون واسطة لإحساس غيرها وإن كانت محسوسة كانت ساترة لما وراءها ويجب أنها كلما ازدادت اجتماعا ازدادت سترا لكن الأمر بالعكس فإن النور كلما ازداد قوة ازداد إظهارا، والرابع: أن الشمس إذا طلعت من الأفق يستنير وجه الأرض كله دفعه ومن البعيد أن تنتقل تلك الأجزاء من الفلك الرابع إلى وجه الأرض في تلك اللحفظة اللطيفة، ولا يخفى حاله على القول باستحالة الخرق على الأفلاك، والخامس: أن انفصال الأجزاء من الأجرام الكوكبية يستلزم الذبول والانتقاص وخلو مواضعها عن تمام مقدارها أو مقدار أجزائها أو كونها دائمة التحليل مع إيراد البدل عما يتحلل عن جرمها فتكون أجسامها أجساما مستحيلة غذائية فاسدة وذلك محال في الفلكيات.
وتعقبها بعض متأخريهم بأنها في غاية الضعف أما الأول: فلأن كون النور جسما لا يستلزم كونه متحركا ولا كون حدوثه بالحركة بل هو مما يوجد دفعة بلا حركة، وأما الثاني: فلقائل أن يقول: إن قيام المجعول بلا مادة إنما يكون بالفاعل الجاهل إياه مع اشتراط عدم الحجاب المانع عن الإفاضة فإذا طرأ المانع لم تقع الإفاضة فينعدم المفاض بلا مادة باقية عنه لأن وجوده لم يكن بشركة المادة فكذا عدمه فعند انسداد الباب المانع عن الإفاضة ينعدم الشعاع عن البيت دفعة، ولا فرق في ذلك بين كونه عرضا أو جوهرا والسر فيهما جميعا أن النور مطلقا ليس حصوله من جهة انفعال المادة وشركة الهيولي كسائر الجواهر والاعراض الانفعاليات ولذلك لا ينعدم شيء منها دفعة لو فرض حجاب بنيها وبين المبدأ الفاعلي إلا بعد زمان واستحالة. وأما الذي ذكر ثالثا فجوابه أن المغايرة في المفهوم لا تنافي الاتحاد والعينية في الوجود فما ذكر مغالطة من باب الاشتباه بين مفهوم الشيء وحقيقته، وأما المذكور رابعا وخامسا فلأن مبناه على الانفصال والقطع للمسافة لا على مجرد الجوهرية والجسمية.
هذا وذهب بعضهم إلى أنه عرض من الكيفيات المحسوسة وقالوا: وغني عن التعريف كسائر المحسوسات، وتعريفه بأنه كمال أول للشفاف من حيث أنه شفاف أو بأنه كيفية لا يتوقف الإبصار بها على الابصار بشيء آخر تعريف بما هو أخفى وكأن المراد به التنبيه على بعض خواصه. ومن هئلاء من قال: إنه نفس ظهور اللون، ومنهم من قال بمغايرتهما واستدلوا بأوجه، الأول: أن ظهور اللون إشارة إلى تجدد أمر فهو إما اللون أو صفة نسبية أو غير نسبية والأول باطل لأن النور إما أن يجعل عبارة عن تجدد اللون أو اللون المتجدد، والأول: يقتضي أن لا يكون مستنيرا إلا في آن تجدده، والثاني: يوجب كون الضوء نفس اللون فلا يبقى لقولهم: الضور هو ظهور اللون معنى، وإن جعلوا الضوء كيفية ثبوتية زائدة على ذات اللون وسموه
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»