تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٢
بالظهور فذلك نزاع لفظي، وإن زعموا أن ذلك الظهور تجدد حالة نسبية فهو باطل لأن الضوء أمر غير نسبي وإلا لكان أمرا عقليا واقعا تحت مقولة المضاف فلم يكن محسوسا أصلا لكن الحس البصري مما ينفعل عنه ويتضرر بالشديد منه حتى يبطل.
والأمور الذهنية لا تأثر مثل هذا التأثير فإذا لم يكن أمرا نسبيا لم يمكن تفسيره بالحالة النسبية، الثاني: أن البياض قد يكون مضيئا مشرقا وكذا السواد فلو كان ضوء كل منهما عين ذاته لزم أن يكون بعض الضوء ضد بعضه وهو محال لأن ضد الضوء الظلمة، والثالث: أن اللون يوجد بدون الضوء كما في الجسم الملون في الظلمة وكذا الضوء يوجد بدن اللون كما في البلور إذا وقع عليه الضوء فهما متغايران لوجود كل منهما بدون الآخر، والرابع: أن الجسم الأحمر مثلا لمضيء إذا انعكس عنه إلى مقابله فتارة ينعكس الضوء عنه إلى جسم آخر وتارة ينعكس منه اللون والضوء معا إذا قويا حتى يحمر المنعكس إليه فلو كان مجرد ظهور اللون لاستحال أن يفيد غيره لمعانا ساذجا، وليس لقائل أن يقول: هذا البريق عبارة عن إظهار اللون في ذلك القابل لأنه يقال: فلماذا إذا اشتد لون الجسم المنعكس منه ضوؤه أخفى ضوء المنعكس إليه وأبطله وأعطاه لون نفسه.
وقال بعض المتأخرين: استقر الرأي على أن النور المحسوس بما هو محسوس عبارة عن نحو وجود الجوهر المبصر الحاضر عند النفس في غير هذا العالم وأما الذي في الخارج بإزائه فلا يزيد وجوده على وجود اللون والأوجه التي ذكرت لمغايرتهما مقدوحة، أما الوجه الأول: فهو مقدوح بأن ظهور اللون عبارة عن وجوده وهو صفة حقيقية من شأنها أن ينسب ويضاف إلى القوة المدركة وبهذا الاعتبار يقع له التجدد قولهم: يوجب أن يكون الضوء نفس اللون قلنا: نعم ولكنهما متغايران بالاعتبار كما أن الماهية والوجود في كل شيء متحدان بالذات متغايران بالاعتبار فإن النور والضوء يرجع معناه إلى وجود خاص عارض لبعض الأجسام والظلمة عبارة عن عدم ذلك الوجود الخاص بالكلية والظل عبارة عن عدمه في الجملة واللون عبارة عن امتزاج يقع بين حامل هذا الوجود النوري وحامل عدمه على أنحاء مختلفة فليست الألوان إلا مراتب تراكيب الأنوار والأدلة الموردة على أبطال ذلك ضعيفة فعلى هذا صح قولهم: النور هو ظهور اللون وصح أيضا قول من يقول إنه غير الولن لأن النور بما هو نور لا يختلف إذ لا يعتبر فيه امتزاج ولا شوب مع عدم أو ظلمة والألوان مختلفة، وأما الوجه الثاني: فهو أيضا مندفع بما مهد وبأن اللون وإن لم يكن غير النور إلا أن مراتب الأنوار مختلفة شدة وضعفا، ومع هذا الاختلاف قد تختلف بوجوه أخر بحسب تركيبات وامتزاجات كثيرة تقع بين أعداد من النور وإمكانها وفعليتها وأصلها وفرعها واعداد من الظلمة أعني عدم ذلك النور وإملكها وفعليتها وأصلها وفرعها فإن هذه الألوان أمور رمادية في الأكثر أو متعلقة بها والمادة منبع الانقسام والتركيب بين الوجودات والإعدام والإمكانات فليس بعجب أن يحصل من ضروب تركيبات النور بالظلمة هذه الألوان التي نراها فتقع تلك الأقسام في محالها على الوجه المذكور ثم يقع عليها نور آخر بمقابلة المنير.
ومن قال بأن النور عين اللون لم يقل بأن كل نور عين كل لون كما أن من قال بأن الوجود عين الماهية لم يقل بأن كل وجود عين كل ماحية ليلزمه أن لا يطرد وجود على وجود ولا تضاد وجود لوجود فالألوان متخالفة الأحكام وبعضها أمور متضادة لكن بما هي ألوان لا بما هي أنوار كما أن الموجودات متخالفة الأحكام وبعضها
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»