تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٦
إيتاء الثلث، وابن عمر رضي الله تعالى عنهما إيتاء السبع، وقتادة إيتاء العشر؛ والأمر بالإيتاء عندنا للندب وقال الشافعية: للوجوب إذ لا صارف عنه، وصرحوا بأنه يلزم السيد أو وارثه مقدما له على مؤن التجهيز.
أما الحط عن المكاتب كتابة صحيحة لجزء من المال المكاتب عليه أو دفع جزء من المعقود عليه بعد أخذه أو من جنسه إليه وأن الحط أولى من الدفع لأنه المأثور عن الصحابة ولأن الإعانة فيه محققة والمدفوع قد ينفقه في جهة أخرى، وهو في النجم الأخير أفضل، والأصح أن وقت الوجوب قبل العتق ويتضيق إذا بقي من النجم قدر ما يفي به من مال الكتابة، وشاع أنهم يقولون بوجوب الحط. ويرده قوله صلى الله عليه وسلم: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " إذ لو وجب الحط لسقط عنه الباقي حتما، وأيضا لو وجب الحط لكان وجوبه معلقا بالعقد فيكون العقد موجبا ومسقطا معا، وأيضا هو عقد معاوضة فلا يجبر على الحطيطة كالبيع، قيل: معنى * (آتوهم) * أقرضوهم، وقيل: هو أمر لهم بالإنفاق عليهم بعد أن يؤدوا ويعتقوا، وإضافة المال إليه تعالى ووصفه بإيتائه تعالى إياهم للحث على الامتثال بالأمر بتحقيق المأمور به فإن ملاحظة وصول المال إليهم من جهته سبحانه مع كونه عز وجل هو المالك الحقيقي له من أقوى الدواعي إلى صرفه إلى الجهة المأمور بها، وقيل: هو أمر ندب لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين بالتصدق عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه أمر للولاة أن يعطوهم من الزكاة وهذا نحو ما ذكر في " الكشاف " من أنه أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله تعالى لهم في بيت المال كقوله سبحانه: * (وفي الرقاب) * عند أبي حنيفة وأصحابه، ويحل للمولى إذا كان غنيا أن يأخذ ما تصدق به على المكاتب لتبدل الملك كما فيما إذا اشترى الصدقة من فقير أو وهبها الفقير له فإن المكاتب يتملكه صدقة والمولى عوضا عن العتق، وكذا الحكم لو عجز بعد أداء البعض عن الباقي فأعيد إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة، والعلة تبدل الملك أيضا عند محمد وفيه خفاء لأن ما أخذ لم يقع عوضا عن العتق، أما فيما إذا أعيد إلى الرق فظاهر، وأما فيما إذا أعتق من غير جهة الكتابة فلأن العتق لم يكن مشروطا بأداء ذلك فتدبر.
وعلل أبو يوسف المسألة بأنه لا خبث في نفس الصدقة وإنما الخبث في فعل الآخذ لكونه إذلالا بالآخذ ولا يجوز ذلك له من غير حاجة والأخذ لم يوجد من السيد. وأورد عليه أنه ينافي جعلها أوساخ الناس في الحديث. ونقل عن الشافعي أنه إذا أعيد المكاتب إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة يلزم السيد رد ما أخذه إلا أن يتلف قبله لأن ما دفع للمكاتب لم يقع موقعه ولم يترتب عليه الغرض المطلوب.
قال الطيبي: وبهذا يظهر أن قياس ذلك على الصدقة التي اشتريت من الفقير غير صحيح، والمدار عندي اختلاف جهتي الملك فمتى تحقق لم تبق شبهة في الحل، وقد صح أن بريرة مولاة عائشة رضي الله تعالى عنها جاءت بعد العتق بلحم بقر فقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا ما تصدق به على بريرة فقال عليه الصلاة والسلام: هو لها صدقة ولنا هدية فأشار عليه الصلاة والسلام إلى حله لآل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة باختلاف جهتي الملك فتأمل، وللمكاتبة أحكام كثيرة تطلب من كتب الفقه.
* (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) * أخرج مسلم. وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة كان يكرههما على الزنا فشكتا ذلك إلى
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»