من هذا الباب في شيء انتهى، ورجح أبو حيان إعراب أبي البقاء ومن معه بعدم لزوم الفل فيه وبسلامة الكلام عليه عن خلاف الأصل في التقديم والتأخير، وتوقف البدر الدماميني في جواز ابتدائية المؤخر في مثل هذا التركيب وإن خلا عن فصل أو محذور آخر كما في أطالع الشمس وذلك نحو أقائم زيد للزوم التباس المبتدا بالفاعل كما في ضرب زيد فإنه لا يجوز فيه ابتدائية زيد. وأجاب الشمني بأن زيدا في الأول يحتمل أمرين كل منهما بخلاف الأصل وذلك إجمال لا لبس بخلافه في الثاني فتأمل * (لئن لم تنته لأرجمنك) * تهديد وتحذير عما كان عليه من العظة والتذكير أي والله لئن لم تنته عما أنت عليه من النهي عن عبادتها والدعوة إلى ما دعوتني إليه لأرجمنك بالحجارة على ما روى عن الحسن، وقيل: باللسان والمراد لأشتمنك وروى ذلك عن ابن عباس. وعن السدي. والضحاك. وابن جريج، وقدر بعضهم متعلق النهي الرغبة عن الآلهة أي لئن لم تنته عن الرغبة عن آلهتي لأرحمنك وليس بذاك * (واهجرني) * عطف على محذوف يدل عليه التهديد أي فاحذرني وارتكني وإليك ذهب الزمخشري.
ولعل الداعي لذلك وعدم اعتبار العطف على المذكور أنه لا يصح أو لا يحسن التخالف بين المتعاطفين إنشائية وإخبارية، وجواب القسم غير الاستعطافي لا يكون إنشاء وليست الفاء في فاحذرني عاطفة حتى يعود المجذور. ومن الناس من عطف على الجملة السابقة بناء على تجويز سيبويه العطف مع التخالف في الاخبار والإنشاء والتقدير أوقع في النفس * (مليا) * أي دهرا طويلا عن الحسن. ومجاهد. وجماعة، وقال السدي: أبدا وكأنه المراد، وأصله على ما قيل من الإملاء أي الإمداد وكذا الملاوة بتثليث الميم وهي بمعناه ومن ذلك الملوان الليل والنهار ونصبه على الظرفية كما في قول مهلهل: فتصدعت صم الجبال لموته * وبكت عليه المرملات مليا وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه فسره بطولا ولم يذكر الموصوف فقيل هو نصب على المصدرية أي هجرا مليا، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن المعنى سالما سويا والمراد قادرا على الهجر مطيقا له وهو حينئذ حال من فاعل * (اهجرني) * أي اهجرني مليا بالهجران والذهاب عني قبل أن أثخنك بالضرب حتى لا تقدر أن تبرح، وكأنه على هذا من تملي بكذا تمتع به ملاوة من الدهر.
* (قال سلام عليك سأستغفر لك ربيإنه كان بى حفيا) * * (قال) * استئناف كما سلف * (سلام عليك) * توديع ومتاركة على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة فإن ترك الإساءة للمسيء إحسان أي لا أصيبك بمكروه بعد ولا أشافهك بما يؤذيك، وهو نظير ما في قوله تعالى: * (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) * (القصص: 55) في قوله، وقيل: هو تحية مفارق، وجوز قائل هذا تحية الكافر وأن يبدأ بالسلام المشروع وهو مذهب سفيان بن عيينة مستدلا بقوله تعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم) * (الممتحنة: 8) الآية، وقوله سبحانه: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) * (الممتحنة: 4) الآية، وما استدل به متأول وهو محجوج بما ثبت في " صحيح مسلم ": " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " وقرىء * (سلاما) * بالنصب على المصدرية والرفع على الابتداء * (سأستغفر لك ربي) * أي استدعيه سبحانه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة ويهديك إلى الايمان كما يلوح به تعليل قوله: * (واغفر لأبي) * بقوله: * (إنه كان من الضالين) * (الشعراء: 86) كذا قيل فيكون استغفاره في قوة قوله: ربي اهده إلى الايمان وأخرجه من الضلال.